يتعيَّن على الخدمات الصحيَّة أن تتوفَّر بسرعةٍ وكفاءةٍ للجميع، إلا أنّ تكدس المستشفيات، وإقبال الملايين على مراكز الخدمات الصحية، وعجز البعض عن تحمُّل تكاليف العلاج التي قد تكون مرتفعة، تجعل من توفير هذه الخدمات بالشكل الملائم تحديًا كبيرًا. فضلًا عن عدم استطاعة آخرين الوصول إلى هذه المراكز في الوقت المناسب، أو وجود صعوبات في التنقل والحركة.
يتردَّد في الصين وحدها أكثر من 300 مليون مريض على المستشفيات يوميًّا، وهو ما يتطلب توفر نحو 30 مليون طبيب، ومليوني مستشفى ومركز صحي لتوفير الخدمات الطبية لأصحابها، وفقًا لما أوردته إحصاءات وزارة الصحة الصينية.
تطبيق إلكتروني يخدم 150 مليون مستخدم!
وهو ما دَفَعَ العديد من الشركات التقنية إلى ربط نحو 150 مليون مستخدم عبر مجموعةٍ من التطبيقات الإلكترونية، طوَّرتها من أجل توفير الخدمات الطبيَّة بشكلٍ أكثر سهولةً وسرعة، بعيدًا عن الأمور الإدارية، والإجراءات التي تتبعها المشافي، والتي يمكن أن تشكِّلَ صعوبةً على المريض، أو تأخيرٍ في توفير الخدمات.
وتشجِّع وزارة الصحة الصينية مثل هذه التطبيقات، وهي جزءٌ من اتجاه متنامٍ نحو توفير خدمات رعاية صحيَّة متنقلة، اعتمادًا على الاتصالات والإنترنت والهواتف الذكية والحواسيب المحمولة. ويتوقَّع نمو هذه القطاع من الخدمات نحو 40% بحلول عام 2020؛ لتدرَّ هذه الشركات دخلًا يصل إلى 50 مليار دولار.
ففي العام الماضي، أطلقت الهند تطبيق «MUrgency» لربط المرضى في حالة الطوارئ بأقرب مستشفى أو طاقم طبِّي متوفِّر، بمجرد إرسال رسالة استغاثة عبر التطبيق. وذلك عن طريق قاعدة بيانات محدَّثة باستمرار، وتتضمن المستشفيات ودور الرعاية والمسعفين.
توصيل الرعاية الطبية من خلال مكالمات الهاتف والفيديو
تسعى هذه التطبيقات لجعل هذه الخدمات في متناول الجميع، دون التقيُّد بالمكان، وربط الأطباء والمختصين ومقدِّمي الرعاية الصحية بالمرضى، عن طريق استخدام المكالمات الهاتفية ومحادثات الفيديو.
بجانب أنها ترفع العبء عن المريض بتقليل النفقات المبذولة في العلاج، علاوةً على أنها توفِّر مصدر دخل إضافيًّا للأطباء؛ وفقًا لما قاله زانغ بو إي، أحد أصحاب الشركات التقنية المشاركة للجزيرة نت.
مستشارك الشخصي في أيِّ وقتٍ ومكان
أشار أحد المرضى المستخدمين لهذه التقنية أن بإمكانه استخدامها في أي وقت، والاستراحة من عناء الانتظار في عيادات الأطباء وأروقة المستشفيات، فقد تمكَّن من الحصول على استشارة أثناء استراحة عمله دون أن يضطرَّ لطلب إجازة مرضية.
بالإضافة إلى ذلك، تتيح التطبيقات المصممة لمساعدة المرضى على إدارة أمراضهم مشاركة التفاصيل الطبية الموثقة، وتقديم ملاحظات دقيقة حول الوضع الصحي للمريض.
فتساعد موفر الخدمة الصحية في تكوين صورةٍ عن كثب يومًا بيوم حول المرض وأعراضه، والانتباه للتغيرات والمسببات المحتملة، والتدخل عند الضرورة، دون الاضطرار للمرور بعيادة الطبيب للمتابعة إلا عند الحاجة.
عيادات عربية إلكترونية
توجد العديد من تطبيقات الهواتف الذكيَّة التي توفر الإرشادات والمعلومات الطبيَّة المختلفة، وتمدّ المستخدم بأدواتٍ تُساعده على تحسين صحَّته مثل: تطبيقات مراقبة الوزن والسكر والحمية الغذائية وغيرها. إلا أنّ هذا التوجه الجديد يسعى لاستخدام التطبيقات وسيلةً لتسهيل الحصول على الرعاية الصحية، وحلقة وصلٍ بين المرضى والأطباء.
ويوجد في عالمنا العربي منصات اتخذت من هذه التكنولوجيا وسيلةً لذلك. أشهرها تطبيق «الطبي»، والذي يربط المرضى بشبكةٍ من الأطباء بمختلف التخصصات في دول عربية متعددة، ويستطيع المريض الوصول للطبيب ومكالمته من أي مكان.
بالإضافة إلى موقع «شيزلونج»، وهو عيادة نفسية إلكترونية تضم مجموعةً من الأطباء المتخصصين، ويمكن للمستخدمين التواصل والاستشارات عن طريقة الكتابة، ومكالمات الفيديو، وحجز الجلسة إلكترونيًّا، مع الحفاظ على سرية المستخدمين وخصوصيتهم.
موقع شيزلونج
فمثل هذه المنصات تعتبر وسيلة أكثر سهولةً وأمانًا، وأقل تكلفة من الجلسات التقليدية لعلاج الأمراض العقلية؛ لذايدعو عددٌ من مقدمي الخدمات الصحية إلى دمج هذه التكنولوجيا جنبًا إلى جنب مع الوسائل المعروفة للعلاج، بعد أن ثبتت فاعليتها.
محطات طبية متنقلة لمساعدة الأطباء
علاوةً على ذلك توجد العديد من التطبيقات المحمولة يمكن استخدامها من قبل مقدِّمي الرعاية الصحية لتسهيل التواصل مع بعضهم البعض، ويمكنها تشخيص الأمراض، والاحتفاظ بسجلات التاريخ الصحي للمرضى، وسهولة ملاحظة المرضى ومتابعتهم. بجانب الاحتفاظ بسجل من الصور والأشعة، ومصادر المعلومات والمراجع.
لذلك لجأ عددٌ من مراكز الرعاية الصحية لإتاحة محطات عمل نقالة توفر الأجهزة الإلكترونية؛ لسهولة الحصول على المعلومات دون الاضطرار للتقيد بالحواسيب المكتبية.
مخاوف حول فاعلية التقنية في التشخيص وعلاج الأمراض المزمنة
على الجانب الآخر يوضح مطورو هذه التقنية في الصين أنها تستطيع توفير الإرشادات والنصائح والاستشارات التي تشكل المرحلة الأولى في العلاج، وتزود المرضى بأدواتٍ لإدارة مرضهم ومتابعة حالتهم الصحية.
لذلك يتساءل مستخدمون عما إذا كانت ذات جدوى لمرضى الأمراض المزمنة، أو تضمن التشخيص الصحيح للمرض.
يمكن لبعض هذه التطبيقات أن تكون ذات فائدة للمرضى في إدارة الأمراض التي لا تختص بأعراض واضحة في تشخيصها، أو علاجها، مثل: مرضى التهاب القولون، فيمكن عبر تطبيق «GI Monitor» متابعة الأعراض، وملاحظة التغيرات في الوقت الفعلي بالتعاون مع الطبيب المتابع للحالة، وتقديم تقارير بيانية ومصورة توضح العلاقة بين تفاعل الأعراض وتأثرها بالعقاقير، أو النظام الغذائي وغيره.
وهو ما يريح الأطباء من محاولة مسايرة الكمّ الكبير من التقارير الطبية والبيانات، من خلال هذه التقارير الملخصة والواضحة.
آليات تنظيمة وجهات رقابية لضمان كفاءة التقنية
تخضع هذه التطبيقات في الولايات المتحدة على سبيل المثال لآليات تنظيمية ورقابية تضعها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)؛ لضمان فاعلية وسلامة هذه التطبيقات. سواءً كانت تُستخدم أداة مساعدة لخدمات الرعاية الطبية، أم يُعتمد عليها بشكلٍ أساسي كمنصة رئيسة لتقديم هذه الخدمات على نحو منتظم، واتخاذ القرارات الطبية بواسطتها.
فرغم أن هذه التطبيقات تحمل العديد من المنافع، إلا أنها يمكن أن تشكل خطرًا محتملًا على المرضى إن لم تخضع للوائح تنظيمية، أو تُراجع من قبل هيئة مختصة، وما إن كانت هذه التقنية آمنة وتحمي خصوصية مستخدمي هذه التطبيقات وبياناتهم من القرصنة، أو استخدامها لصالح جهات أخرى. وهو ما يساعد الشركات المطورة لهذه التطبيقات في أخذ هذه القواعد بالحسبان.
ماذا عن المرضى الذين لا يستخدمون الهواتف الذكية؟
تظل العديد من التحديات قائمة حول مدى توفر الخدمات الطبية لجميع المرضى على حدٍّ سواء. فبينما تذهب الجهود من أجل تحسين هذه التقنيات التكنولوجية، وتقليل التكلفة في مقابل تحسين الجودة؛ يبقى عددٌ ليس بقليل من المرضى لا يملك رفاهية امتلاك الهواتف الذكية، أو كيفية التعامل معها، وهو ما يعرِّضُ هؤلاء لخطر عدم الحصول على هذه الخدمات.
يعتمد ازدهار هذه التكنولوجيا في نهاية الأمر على مدى استخدام الناس لها، لذا يمكن لمزيدٍ من التوعية والتثقيف بهذه التطبيقات وكيفية الانتفاع بها، أن يشجع مزيدًا من الأشخاص على الإقبال عليها، وتغيير شكل توفير الرعاية الصحية جذريًّا.