علوم وتكنولوجيا

باحثون: علاجٌ جينيٌ حديث يحقق نجاحاً مُذهلاً في علاج فقر الدم المنجلي

أفاد باحثون بأن علاجاً جينياً جديداً قد نجح أولياً في علاج، وربما شفاء، مراهق فرنسي مصاب بفقر الدم المنجلي. فقد اختفت أعراض المرض من المريض منذ تطبيق العلاج عليه (منذ 15 شهراً)، ولا تزال هذه النتائج على ما هي حتى اليوم.

وبحسب الأطباء بمستشفى نيكر للأطفال بباريس، فإن حالة الطفل قد تغيرت بشكل كبير بعد تطبيق العلاج عليه.

وكان الطفل قد عانى لسنوات من نوبات من الألم الشديد بالإضافة إلى مضاعفات فقر الدم المنجلي التي أثرت في رئتيه وعظامه وطحاله.

وقد أكد الباحثون على ضرورة إجراء المزيد من الدراسات والتجارب حول هذا العلاج قبل اعتماده بشكل نهائي. فحتى الآن لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الأعراض ستبقى غائبة أم أنها ستعود يوماً ما.

وفي معرض التعليق على نتائج التجربة العلاجية، يقول الدكتور جورج بوشنان، الأستاذ الفخري بقسم طب الأطفال بكلية الطب بجامعة تكساس ساوث ويسترن الأمريكية: “لا أعتقد أن الإعلان عن علاج جيني لفقر الدم المنجلي سيحدث في القريب العاجل. ولكن النتائج مبشرة جداً وتُعد فتحاً طبياً في علاج مرضٍ خطير موهنٍ لصاحبه، وهي نتائج طال انتظارها من قبل المرضى”.

وبحسب المعهد الأمريكي الوطني لصحة القلب والرئة والدم، فإن فقر الدم المنجلي هو حالة وراثية تؤثر بشكل رئيسي في الأشخاص من الأصول الأفريقية، أو الجنوب أمريكية، أو المتوسطية (من حوض البحر الأبيض المتوسط). وتشير الإحصائيات إلى أن ما نسبته 3 في الألف من الأطفال الذين ينتمون للعرق الأسود السود يُولدون مصابين بهذا المرض.

ويزداد خطر الإصابة بالمرض عندما يرث الشخص نسختين من جينة الهيموغلوبين المعيبة (نسخة من أمه ونسخة من أبيه). والهيموغلوبين هو البروتين الحامل للأوكسجين، ويوجد في كريات الدم الحمراء.

وعندما تحتوي كريات الدم الحمراء على هيموغلوبين “منجلي” تصبح مقوسة (بشكل هلال) وليس بشكل قرص كما هو حال كريات الدم الحمراء الطبيعية. وتكون كريات الدم المريضة لزجة ومعيقة للجريان الدموي، مما يُسبب أعراض ألم وإرهاق وضيق في التنفس. ومع مرور الوقت، قد يُسبب المرض أضراراً بمختلف أعضاء الجسم.

وبحسب الدكتور بوشنان، فإنه تتوفر حالياً علاجات كيميائية للمرض، ولكنها قد تكون صعبة الإعطاء للمريض، وذات آثار جانبية، وإن العلاج الوحيد الشافي حالياً هو زرع نقي العظام من متبرع سليم يحمل زمرة جينية متوافقة مع الزمرة الجينية للمريض (شقيق المريض غالباً). وتكمن المشكلة في عدم توفر هذا المتبرع في كثير من الأحيان، وهنا تأتي أهمية العلاج الجيني الجديد، لتعديل عملية إنتاج الكريات الدم الحمراء في نقي عظام المريض، وإيقافه عن إنتاج كريات معيبة.

وفي عملية زرع نقي العظم، يقوم الأطباء بإعطاء المريض علاجاً كيميائياً يقضي على الخلايا الجذعية الموجودة في نقي عظامه (والتي تُنتج كريات الدم المعيبة)، ثم يستبدلون هذه الخلايا بخلايا سليمة من الشخص المتبرع.

ركز فريق الأطباء الفرنسي بقيادة الدكتورة مارينا كافازانا من مستشفى نيكر للأطفال على جينة تُدعى بيتا غلوبين، تكون طافرة لدى مرضى فقر الدم المنجلي.

قام الباحثون بدايةً باستخلاص مخزون خلوي من نقي عظام المريض، ثم استخدموا العلاج الكيميائي للقضاء على ما تبقى من خلايا جذعية فيه. ثم استخدموا فيروساً معدلاً لإيصال نسخة جينة البيتا غلوبين “المقاومة للمنجلية” إلى الخلايا الجذعية التي استخلصوها قبل العلاج الكيميائي. بعد ذلك قام الأطباء بإعادة الخلايا الجذعية المعدلة إلى المريض مجدداً.

أظهر المريض خلال الأشهر التالية زيادةً في عدد كريات الدم الحمراء التي تحمل وسم الجينة المقاومة للمنجلية، وبالنتيجة أصبحت نصف كمية الهيموغلوبين في دمه طبيعية.

ويُبسّط الدكتور بوشمان طريقة العلاج بقوله: “لقد تم تحويل المريض من مُصاب بفقر الدم المنجلي (يمتلك نسختين من الجينة المعبية) إلى ناقل وراثي للمرض (لديه نسخة واحدة من الجينة المعيبة)، ومن المعروف بأن الناقل الوراثي للمرض يكون غير مصابٍ به.

يقول الدكتور ديفيد ويليامز، رئيس مركز دانا-فاربر/بوستون لأمراض الدم والسرطان عند الأطفال: “إن هذه النتائج مشجعة للغاية، ولكن التجربة العلاجية لم تشمل سوى مريضاً واحداً فقط، وإن فترة 15 شهراً من المراقبة تُعد قصيرة نسبياً. كما إنه لا تتوفر معلومات حتى الآن حول أمان هذه الطريقة العلاجية على المدى البعيد”.

يقول الدكتور بوشمان: “حتى لو جرى إقرار هذه الطريقة العلاجية، فقد يكون من غير الممكن تطبيقها في بعض البلدان، نظراً لما تتطلبه من تقنيات عالية وتكلفة مرتفعة، في الوقت الذي يقطن فيه معظم مرضى فقر الدم المنجلي في بلدان فقيرة نسبياً غير قادرة على تحمل نفقات مثل هذا العلاج. ولكن العلاج بأي حال يفتح الباب أمام أملٍ جديدٍ واعد لمرضى فقر الدم المنجلي”.

جرى تمويل الدراسة جزئياً من قبل شركة بلوبيرد بيو Bluebird Bio المنتجة للعلاج، ونُشرت نتائجها في الأول من شهر مارس الحالي في مجلة نيو إنجلاند الطبية New England Journal of Medicine.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى