سلّم التحالف البريطاني الفرنسي راية “سايكس- بيكو” إلى وجوه عربية محلية لتقوم بمهمة تقسيم العالم العربي، وقد قاموا بالمهمة الملقاة على عواتقهم على أكمل وجه، وتم تفتيت الأرض العربية بالرصاص والسكين، ورسمت الحدود بالدم القاني الذي لا يزال يراق على الأرض العربية.
على مدى 100 عام كاملة لم يعرف العالم العربي حالة من الاستقرار الحقيقي، وكل ما كان موجودا هو “استقرار وهمي”، وهذا ما أثبتته الأحداث في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان ومصر، كما أن الكيانات الأخرى التي نجمت عن التقسيمات الاستعمارية تعاني من حالة من التخبط وغالبيتها غارقة في الأزمات والديون والفقر والبطالة والتفاوت الطبقي والأمية.
حاليا دخل العالم العربي مرحلة جديدة من تقطيع الأوصال، فالأمريكيون والروس والفرنسيون والبريطانيون يتحدثون عن نهاية العالم العربي الذي نعرفه، وأن هناك ترتيبا جديدا يجري إعداده، وقد تحدث المسؤولون في هذه الدول علنا، وقبلهم بشرت الولايات المتحدة الأمريكية بما يسمى “الشرق الأوسط الجديد” الذي صممته كونداليزا رايس إلى جانب الثنائي دونالد رامسفيلد وديك تشيني، وهم الأركان الأساسية في إدارة جورج بوش الابن.
إذن انتقلت المؤامرة من “سايكس- بيكو” إلى “كونداليزا- تشيني- رامسفيلد”، إلى أن وصلت حاليا مؤامرة “كيري- لافورف”، وهما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، فالطائرات الأمريكية والروسية تحلق معا في الأجواء السورية دون أن تتصادم مع بعضها ، ودون أي احتكاك يذكر، وفيما تحدد واشنطن الأهداف على الأرض تقوم الطائرات الروسية بالقصف، وهناك خط عسكري ساخن بين الطرفين، وخط ساخن سياسي، وهناك تنسيق دائم على مدار الساعة، ويقوم الطرفان بتسليح الأكراد بالسلاح ويلبس الجنود الأمريكيون أزياء المليشيات الكردية في سوريا، وتنظم واشنطن جسرا جويا لتسليح الأكراد في العراق وسوريا، ثم تنسق القوات الأمريكية والروسية لضرب الثوار في سوريا، تحت حجة ضرب تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وتقوم روسيا وإيران بدعم مليشيات الحشد الشيعي في العراق فيما تقوم الطائرات الأمريكية والمقاتلات الحربية لحلفائها بتغطية هجوم الحشد الشيعي على الفلوجة، وتعتبر أمريكا أن إسقاط تركيا لمقاتلة روسية انتهكت أراضيها “مشكلة ثنائية” رغم أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي “النيتو” وتتحالف مع الأكراد الذين يحاربون الدولة التركية، ما دفع الرئيس التركي إلى مطالبة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للاختيار بين التحالف مع الأكراد أو الدولة التركية، فاختار الأمريكيون الأكراد على حساب تركيا.
أمريكا تتحالف مع إيران في العراق، والحرب ضد الفلوجة مثال صارخ لهذا التحالف، وتقلب ظهر المجن للسعودية، وتعتبر التحالف معها عبئا كما قال الرئيس أوباما في مقابلة مع مجلة أتلانتيك، والتي انتقد فيها السعودية بشدة. ويبقى الثابت الوحيد في السياسة الأمريكية والروسية والبريطانية والفرنسية في المنطقة هو بقاء “إسرائيل” آمنة مطمئنة” وألا يشكل العرب عليها أي خطر، وأن تكون أقوى من الدول العربية مجتمعة، فهذا الكيان الذي خلق من رحم سايكس- بيكو وجد ليبقى مهما كانت الظروف ومهما تغيرت الأنظمة الحاكمة في هذه الدول.
جديد مؤامرة “كيري- لافروف” تقسيم العراق إلى 3 دول وتقسيم سوريا إلى 3 دول على الأقل، وإبقاء لبنان حالة من “الشتات السياسي والديني” وتقسيم السودان إلى 4 دول وتقسيم ليبيا إلى 3 دول وتقسيم اليمن إلى دولتين، وإن أمكن تقسيم الدول الأخرى.
في 1916، كانت هناك بريطانيا وفرنسا، وكان هناك سايكس وبيكو. وفي عام 2016، هناك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وهناك جون كيري وسيجغي لافروف، وهناك أيضا بشار الأسد وحسن نصر وخامنئي والعبادي والمالكي وحفتر والسيسي والحوثي.. أي أننا أمام تشكيلة جديدة من لاعبين محليين ينفذون التقسيم بالبراميل المتفجرة والدم والمليشيات الحاقدة من داعش إلى الحشد الشيعي.
المصدر : الشرق القطرية