الصفاقة الأخلاقية التي وقع فيها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، لا تختلف عن الوقاحة السياسية التي يتمتع بها البيت الأبيض، والتي تتبناها معظم الدول الغربية تجاه الشعب السوري.
فقد قرر مسؤولو البرنامج المذكور، قطعَ المساعدات كلياً أو جزئياً عن ثمانين ألف لاجئ سوري في الأردن. وقد حاول أولئك تبرير قرارهم، بأن الأموال التي لديهم لا تكفي لتغطية حاجات السوريين المشردين في إربد وعمّان وغيرها.
لقد قامت الأمم المتحدة بجريمة إنسانية بشعة، عندما سكت أعضاؤها عن فظائع بشار الأسد، بحق العزل في سورية، وعندما رفضوا تحويل الملف السوري من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة لتطبيق قرار الاتحاد من أجل السلم، المتعارف عليه في مثل الحالة السورية، والذي سيؤدي إلى إجبار بشار الأسد على وقف جرائمه بالقوة.
يمعن أعضاء الأمم المتحدة اليوم في محاولة إذلال السوريين فيمنعون عنهم المال والغذاء بحجة عدم وجود الأموال. إذ لا يملك الشعب السوري، الحق بالطعام والشراب ولا بالحياة أصلاً. وعليه أن يموت ببراميل بشار، فإن نجا فتلك جريمة أخرى يُعاقب عليها بالتجويع والطرد.
شممنا رائحة قرارات الأمم المتحدة العفنة قبل أن تصدر، فما معنى أن توقف الحكومة الأردنية دخول اللاجئين السوريين إلى أراضيها، وهي تعلم أنها إن لم تفعل فسيدفنون تحت ركام منازلهم.
لم تقم المنظمة الدولية بالضغط على حكومة عمان لثنيها عن القرار، بل وصمتت عن عشرات القضايا التي تمس كرامة اللاجئين وحقوقهم، ابتداء من مخيم العار المسمى بالزعتري وليس انتهاء بإعادة بعض اللاجئين إلى سورية قسراً.
كل ذلك ولم يكتف برنامج الغذاء العالمي بما حدث، بل ذهب إلى إقرار قانون جديد يمنع آلاف العائلات السورية من الطعام أو المساعدات العينية التي قد تنجيهم من الأمراض والموت البطيء في بلاد الاغتراب.
من البشاعة بمكان، أن تدعي السيدة جويل عيد، أن مؤسستها قامت بدراسة أوضاع الأسر السورية في الأردن، لتصل المساعدات إلى مستحقيها الفعليين. ونحن نتحدى السيدة عيد، ومن وظفها أيضاً، أن تظهر لنا تلك الدراسة مكتوبة ومعدة حسب آليات البحث المعتمدة في هذا الإطار، وتذكر لنا أسماء الباحثين الذين شاركوا في تلك الدراسة ومستواهم العلمي. فما هي تلك الدراسة التي أجراها البرنامج والتي توزع نتائجها عبر الرسائل الهاتفية القصيرة! لقد حرمت “دراسة السيدة عيد ورؤساءها”، أطفالاً صغاراً من شرب الحليب، أو شراء ما يقي برداً أو يدفع حراً.
يمنع السوري من العمل في الأردن، وتمنع عنه الأمم المتحدة المساعدات الغذائية، ألا ليتهم يخبروننا كيف سيعيش اللاجئون إذاً، على هواء الزعتري وماءه الآسن مثلاً.
عندما ننتقد الأمم المتحدة فإننا ننتقد أعضاءها، أولئك الذين يسعون إلى ترهيب الشعوب العربية من القيام بثورات جديدة، وذلك عبر إهانة السوريين وإذلالهم، وجعلهم مثلاً لا يحتذى به. فكلما فكر المضطهدون بالثورة، ذكرهم “المجتمع الدولي” بما حدث لأقرانهم السوريين.
لا يصدقن أحد أن الأمم المتحدة لا تملك المال الكافي لمساعدة السوريين، فهي تنفق المليارات للدفاع عن حقوق الشواذ، والتعري وتفكيك الأسرة، وكان على أعضائها أن يذكروا بأن الولايات المتحدة ستنفق خمسة عشر مليار دولار، لقتل الأبرياء في شمال سوريا وشرقها تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
يتم الضغط اليوم على السوريين بكل الوسائل، كي لا يعودوا إلى “الخطأ” الذي ارتكبوه بالخروج على حليف الغرب وعميله، ولكي يرجعوا إلى طاعته، فعملية إعادة تأهيل الأسد قائمة على قدم وساق.
زمان الوصل