مقالات

غازي دحمان – روسيا الزبائنية وصراحة الجبير

هل ارتكب وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، خطأً دبلوماسياً، عندما كشف الجانب الزبائني في موقف روسيا الحقيقي من رأس النظام السوري بشار الأسد، ودورها الإجمالي في حرب الإبادة الجارية في سورية، وذلك في اقتراحه إعطاءها حصةً في الشرق الأوسط في مقابل تخليها عن الأسد في سورية؟

اللافت أن ردود الفعل الروسية التي عبّرت عنها وسائل الإعلام، بدرجة أساسية، بدا أنها مربكة ومصدومة من صراحة الجبير وكلامه المباشر، من دون إخضاعه لأي مرشحات، ولم تجد تلك الردود سوى المحاولة في إعطاء درسٍ ممجوجٍ في الدبلوماسية التي لا تحتمل مثل تلك التصريحات العلنية، وأن مثل هذه الأمور يتم تداولها خلف الكواليس، حتى إن المعلقة الروسية، إيلينا سابونينا، اعتبرت اقتراح الجبير بدائياً، واتهمت الوزير السعودي بـ “عدم الخبرة في المسائل الدقيقة للسياسات العليا”، فضلاً عن التعليقات التي أعادت “طقم” الكلام الذي يقوله وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عند مناسبة حديثه عن المقتلة السورية وانسجام موقف بلاده مع القانون الدولي، ورغبتها في إحلال السلام في المنطقة!

لم يخطئ الجبير، ولم يتجاوز أصول الدبلوماسية في كلامه، إذ من المنطقي أن الدول، في كل زمان ومكان، تبحث عن مصالحها، وهي لا تستثمر سياسياً وعسكرياً في أي مكان، من أجل تطبيق قواعد القانون الدولي. تلك كذبةٌ سمجة، لا تحتملها السياسة الدولية، حيث لم تخجل أميركا عندما شاركت في حرب تحرير الكويت من هذه الحقيقة، فهي “ذهبت من أجل النفط” كما أعلن مسؤولوها جهاراً، كما أن أغلب الحكومات في أثناء عمليات التفاوض تستخدم المقايضة والابتزاز وأساليب الترهيب والترغيب، وطرح الخيارات والبدائل آلياتٍ مشروعةً للتفاوض والمساومة، وكلها تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الأرباح وتجنب الخسائر.

ولم يخطئ الجبير في صراحته، طالما أن روسيا وإيران تستخدمان كل أنواع الأسلحة، وعلى الهواء مباشرةً، في تغيير الوقائع الديمغرافية والسياسية في سورية، لتحقيق مصالحهما المباشرة في السيطرة على الجغرافية السورية ومزاياها الاستراتيجية المتمثلة في إمكانية تحويلها إلى مركز لنقل الغاز إلى أوروبا، ومنع الأطراف العربية المنتجة من منافستها في هذا المجال، بحرمانها من استخدام الأراضي السورية. وعلى جنبات خطوط الغاز الافتراضية والموانئ التي يجري تجهيزها لهذه الغاية، تقوم الدولتان برعاية مذبحة لسكان البلاد، من دون أن يرف لهما جفن.

لطالما استفادت روسيا من الخطاب الدبلوماسي التقليدي الذي ينطوي على قوالب كلامية، على شكل موديلات جاهزة، تعتمد التنميق واللباقة الزائفة من أجل تغطية أعمالها البشعة في سورية، وحتى في الجوار الروسي، أوكرانيا وجورجيا، وبرع وزير خارجيتها في استخدام هذا الأسلوب لإرهاب أي طرفٍ مخالفٍ لروسيا، إذ يكفي أن يذكر مصطلحاتٍ، مثل القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها ليربك الطرف المقابل له، ويشعره بأن أي كلامٍ خارج هذا السياق سيعني السير في حقلٍ من الألغام، وأن أي محاولةٍ لتفنيد الموقف الروسي تعني الوقوف ضد العدالة والشرعة الدولية. لذا، لم يحصل أن واجه أحد تبجح لافروف، بسؤاله عن طبيعة القانون الدولي الذي يسمح بإبادة شعبٍ وتهجيره، ولا عن الشرعة الدولية التي سمحت لدولته باقتناص اتفاق إذعانٍ من “رئيسٍ” يواجه أزمة شرعيةٍ في بلاده، حتى لا نقول إنه فقد الشرعية نهائياً.

ربما لم يجد الجبير حرجاً في الكلام الصريح عبر طرح بدائل على روسيا، توفّر عليها الخوض في دماء السوريين، والخسائر المحتملة التي ربما تتكبدها، من أجل الحصول على مردود جيو اقتصادي غير مضمون، على اعتبار أن ذلك أمرٌ يتفق مع التفكير السياسي العقلاني، كما أنه من أشكال التفاوض الذي يتبع القنوات العلنية، ويطرح ما تسمى بالونات اختبار لمناقشتها، من خلال الأطر الرسمية والرأي العام لدى الطرف المستهدف، وفحصها ومعرفة جوانبها السلبية والإيجابية، ومردودها وأثمانها. وقد تجد لها تأييداً شعبياً، وتوفّر على صانع القرار عناء التبرير وصناعة الروايات السياسية، لتوضيح المواقف والسياسات. ثم هل ثمّة ما هو أعزّ لدى المواطن الروسي من تأمين رفاهيته وسلمه الداخلي؟ أليست تلك سياساتٍ عليا؟ وإن لم تكن كذلك، ما هي السياسات العليا في المفهوم الروسي؟ الأكيد أنها تشبه فهمهم القانون الدولي الذي لا يستقيم إلا عبر قتل مزيد من السوريين.

ليست دبلوماسية محترمة وعصرية تلك التي تغطّي أبشع الممارسات بكلماتٍ منمّقة، تلك أدوات قتلٍ إضافيةٍ، يمارسها سياسيون على المنابر، وهي ليست أكثر من تقنيةٍ لتبرير حروب الإبادة بشكل مشرعن، يمكن استخدامها بوقاحةٍ منقطعة النظير، تماماً كما فعل وزير الخارجية الإيراني الذي طالب تركيا بتذكّر وقوف بلاده معها ضد الانقلاب، واحترام حكومة الأسد “المنتخبة شعبياً”!، والصحيح أن الأسلوب الذي استخدمه وزير الخارجية السعودي، في مخاطبة روسيا، يصح أن يكون نهجاً في التعامل العربي مع روسيا، من خلال الحديث الصريح والمباشر عن مصالحها في البلاد العربية، وأن يضاف إلى ذلك أيضاً تذكيرها بأنها، كما لا يمكن أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها، في الوقت نفسه، كما يقول المثل الإنكليزي، فإنها لا تستطيع أن تحارب المصالح العربية، وتهدّد الأمن العربي، وتعتدي على الشعوب العربية بدعمها إيران، وتحصل، في الوقت نفسه، على الاستثمارات العربية والامتيازات الاقتصادية.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى