مقالات

حسين عبد العزيز – في أسباب معركة درعا

ثمّة أسئلة كثيرة تطرح عن أسباب انطلاق معركة درعا في هذا التوقيت، مع اتجاه الأمور نحو تثبيت وقف إطلاق النار في عموم البلاد، ومنها الجنوب السوري. هل ما جرى محاولة من النظام وفصائل المعارضة لانتزاع مزيد من الأراضي قبيل فتح ملف الجنوب السوري، أم أن ما يجري يتجاوز إرادات الصراع المحلية؟

قد تجيب الأهداف العسكرية من عملية “الموت ولا المذلة” عن السؤال الرئيسي المتعلق بأسباب انطلاق هذه المعركة في هذا التوقيت.

بحسب غرفة “البنيان المرصوص”، تهدف العملية العسكرية إلى السيطرة على حي المنشية في مدينة درعا، وهذا الحي يشكل أهمية بالغة الاستراتيجية، فهو يشرف على كامل أحياء المدينة ويطل على المعبر الحدودي القديم مع الأردن بمسافة نحو ثلاثة كيلومترات.

لكن، من الواضح أن عملية “الموت ولا المذلة” لم تأت ردّ فعلٍ على محاولة النظام السيطرة على معبر درعا، فقبل ذلك بثلاثة أيام، تشكل تحالف قوات الجنوب تحت قيادة العقيد الركن المنشق زياد الحريري، ويضم (الفرقة 46، فرقة الحسم، فرقة 18 آذار، فرقة أحرار نوى، فرقة صلاح الدين، ألوية العمري، لواء الكرامة، ألوية الحق). وقبل ذلك، في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول، أعلنت أكبر أربعة فصائل عسكرية تابعة للجيش الحر (جيش اليرموك، المهاجرين والأنصار، جيش المعتز بالله، الحسن بن علي)، إقامة تحالف عسكري واحد باسم “جيش الثورة”. والملفت للانتباه أن الفصائل الأربعة التي يتكون منها “جيش الثورة” هي جزء من الجبهة الجنوبية، ما يعني أن ما جرى لا يشكل انشقاقا عن الجبهة الجنوبية، لكنه في المقايل يؤكد عزم هذه الفصائل على تمييز نفسها عن غرفة “الموك” الموجودة في عمّان وتخضع لها الجبهة الجنوبية خضوعا تاما.

ولعل تأكيد الناطق العسكري باسم “جيش الثورة”، أبو بكر الحسن، أن الجيش يتبنى أفكار الثورة السورية وأعرافها، وأنه مشروع داخلي صرف، ولا يتلقى أي دعم خارجي بالسلاح، دليل على أن قرار الوحدة كان محليا صرفا، هدفه إعادة تموضع جزئي لهذه الفصائل خارج غرفة “الموك”.

كما أن إصرار غرفة عمليات “البنيان المرصوص” التي أطلقت عملية “الموت ولا المذلة” على عدم الإعلان عن الفصائل المشاركة في العملية العسكرية، خوفا من وقف الدعم الخارجي عنها، تأكيد آخر على الانفصال الناعم لهذه الفصائل عن “الموك”. ولعل مشاركة هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام في العملية العسكرية مؤشر على أن هذه القوى المحلية تخشى أن يصبح مصير الجنوب السوري كما مصير الشمال. ومن هنا، جاءت العملية العسكرية في إطار الخطوات الاستباقية لمنع حصول تطوراتٍ بدأت ملامحها بالظهور، وهي:
أولا، ميل الأردن إلى تسليم المعابر الحدودية (الجمارك، نصيب) إلى النظام السوري، وقد لمحت عمّان إلى ذلك، مرة على لسان رئيس هيئة اﻷركان محمود فريحات، وأخرى على لسان وزير الداخلية الذي قال إن ليس لدى بلاده مانع من سيطرة النظام على المعابر مع الأردن، و”إن المملكة معنية بالحفاظ على أمنها أولا، ولن تفتح معابرها مع درعا، قبل أن يتم ذلك”.

ثانيا، الانخراط الأردني في الجهود العسكرية الروسية بحضوره اجتماعي أستانة، بالتزامن مع إشارات أردنية ناعمة إلى النظام السوري، مفادها بأن عمّان مستعدة للانفتاح عليه.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك نية الإدارة الأميركية إقامة مناطق آمنة قد يكون الجنوب السوري جزءا منها، وأن الأردن يفضل إقامة هذه المنطقة، بالتنسيق مع النظام والجبهة الجنوبية في آن واحد، أمكننا القول إن فصائل المعارضة استشعرت الخطر الآتي من البوابة الأردنية.
ثالثا، نوايا النظام في التوجه نحو درعا، بعد إنهاء معركته في الغوطة الشرقية، في ظل استمرار عمّان في الضغط على فصائل الجنوب بإبقاء حالة الجمود العسكري من جانبهم مستمرة.

وبناءً عليه، يمكن القول، بكثير من الثقة، إن عملية “الموت ولا المذلة” جاءت بقرارٍ محلي، ومن خارج غرفة “الموك”. ولذلك، أقدم الأردن على عرقلة هذه العملية، من خلال السماح للطيران الروسي وطيران النظام باستخدام الأجواء الأردنية أولا، ومنع إدخال الجرحى إلى أراضيه ثانيا، والضغط على فوج المدفعية لعدم المشاركة في العملية العسكرية ثالثا.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى