ساعات قليلة تفصلنا عن انطلاق جولة الاجتماعات الثانية من أعمال اللجنة الدستورية السورية، المنعقدة في جنيف، تحت قبة الأمم المتحدة، بمشاركة وفود المعارضة السورية، ونظام الأسد، والمجتمع المدني.
وأبلغ المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، خلال اجتماع لمجلس الأمن، عقد الجمعة 22 تشرين الثاني، أعضاء اللجنة الدستورية البالغ عددهم 150 عضوا، من الأطراف الثلاثة بالعودة إلى جنيف، للمشاركة بالجولة الثانية المقررة غدا الإثنين 25 تشرين الثاني.
في 23 أيلول الماضي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تشكيل اللجنة الدستورية بعد عامين من الخلافات والتجاذبات التي يتحمل نظام الأسد مسؤوليتها بحسب ما تقول الأمم المتحدة والمعارضة، حيث اعترض النظام على عدد من أسماء وفد المجتمع المدني.
وعقدت أولى جولات اللجنة الدستورية السورية في 30 تشرين الأول الماضي، لمدة خمسة أيام، انتهت بنتائج متواضعة اقتصرت على تقديم الأعضاء الـ150 ورقات (تناقش لاحقا) لرؤاهم عن الدستور المستقبلي لسوريا، كما أصدرت اللجنة في ختام الجولة مدونة سلوك، لضبط عمل الأعضاء والرؤساء المشاركين فيها.
أقرأ أيضا: “شروط مصيرية” للمعارضة السورية قبيل اجتماعات “الدستورية”
ومع الاستعداد لخوض ثاني جولات اللجنة الدستورية، يتجدد الجدل بشأن قانونية وشرعية العمل في مسار الدستورية، لا سيما في أوساط الثورة من ناشطين وباحثين ومثقفين، فضلا عن الشارع السوري، الذي يكاد يجمع على رفض المضي في هذا المسار وتجاهل ملفات أكثر إلحاحا، كالمعتقلين ووقف إطلاق النار.
وينص القرار الأممي على مناقشة ما أطلق عليها المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا، “السلال الأربع” وهي إنشاء هيئة حكم انتقالي، وإعداد الدستور وانتخابات شاملة، ثم الانتقال لملفي الإرهاب والأمن، لكن دي ميستورا فشل خلال سنوات عمله الأربع في إحداث خرق لتطبيق بنود الاتفاق خلال جلسات تفاوض طويلة بين المعارضة ونظام الأسد في جنيف.
وبعد عجز دي ميستورا انبثقت “اللجنة الدستورية” عن اجتماع دعت له روسيا في مدينة سوتشي مطلع 2018، تحت مسمى “الحوار السوري”، ولاقى الطرح الروسي، قبولا من الدول الضامنة لمباحثات أستانا (تركيا – إيران)، ولاحقا مجموعة الدول المصغرة التي تضم، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن.
المعارضـة فـي مواجـهة الشـارع
وأمام رفض الشارع السوري الثائر، للمضي في اللجنة الدستورية، تتمسك المعارضة السورية الممثلة بالهيئة العليا للتفاوض، بالدفاع عن المشاركة في هذا المسار السياسي، مع اعترافها بالوقت نفسه بعدم وجود أي ضمانات دولية بالضغط لتطبيق ما يتم التوافق عليه.
أقرأ أيضا.. بعد خلاف أدى لتعليقها.. استئناف اجتماعات “الدستورية” وترحيب دولي
ويقول رئيس الهيئة العليا للتفاوض، نصر الحريري، في رده على منتقدي مشاركة المعارضة باجتماعات اللجنة الدستورية إن ما يجري في جنيف، هو وضع خارطة تفاوضية لتطبيق القرار 2254، عبر مفاوضات سورية – سورية تحت مظلة الأمم المتحدة.
ورفض الحريري، في مقابلة مع “تلفزيون سوريا” بتاريخ 11 تشرين الثاني، الحالي، رفض اعتبار الدخول في مسار إعداد الدستور مخالفا للترتيب القانوني الذي ينص عليه القرار 2254، والذي يتضمن البدء بإنشاء هيئة حكم انتقالية، ثم الانتقال للدستور.
وقال الحريري: ” نحن لا نطبق قرار 2254 (خلال اجتماعات الدستورية)…، ما نقوم به بجنيف وضع خارطة تفاوضية ليتفق الطرفان على خارطة طريق،.. وهذه العملية التفاوضية بدأنا بها بالنقاش الدستوري…، ولا بد من الذهاب لجميع المحاور”.
ما الـذي يمنـع البـدء بهيئـة الحـكم؟
ويضيف الحريري في المقابلة لدى سؤاله عن سبب عدم البدء بإنشاء هيئة الحكم الانتقالية وفق ما ينص القرار الأممي، بأن هيئة الحكم الانتقالية أمامها معضلتان بعد أن وضعها المجتمع الدولي – عن قصد أو غير قصد – ضمن ما تسمى بآلية “الغموض البناء”.
ويبرر الحريري بأنه لا يمكن تشكيل هيئة حكم انتقالي، دون وجود دستور واضح يتفق عليه الطرفان (النظام والمعارضة) تحت إشراف دولي، لتعمل تلك الهيئة في إطار هذا الدستور.
ويسوق معسكر رافضي اللجنة الدستورية من ناشطي مجتمع مدني والشارع الثوري السوري، الكثير من الهواجس التي من المفترض أن تمنع المعارضة السورية عن المشاركة في هذا المسار، أبرزها التدخل الروسي مع شبهات تواطؤ من دي ميستورا لتصوير إعداد الدستور كسبيل وحيد للمضي بحل للقضية السورية وهو ما بات يجمع عليه المجتمع الدولي.
اقرأ أيضا .. جنيف.. ممثلات المعارضة باللجنة الدستورية يلتقين البعثة التركية
ترى كذلك الشريحة الأكبر من الشارع المعارض أن الثورة لم تخرج من أجل تغيير الدستور، وأن الأزمة في سوريا هي نظام لا يأبه بأي قوانين أو وينتهك الدستور منذ عشرات السنين، فضلا عن أن المجتمع الدولي، الذي يدفع لتشكيل الدستور، عجز خلال 8 سنوات، عن منع نظام الأسد عن الاستمرار بعمليات قتل المدنيين بشتى الوسائل، ولا حتى عن تطبيق العناوين الأبرز في القرار الأممي 2254، وهي وقف شامل لإطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين.
وعن الفكرة الأخيرة، يعترف الحريري بأن المجتمع الدولي غير مهتم في حال أوقفت المعارضة السياسية عملية التفاوض، احتجاجا على استمرار القصف على المدنيين في سوريا.
ويقول في هذا الصدد: “أوقفنا التفاوض لمدة عام كامل دون أي اكتراث دولي، … المستفيد من إيقاف العملية السياسية نظام الأسد ليقول للعالم أنا مستعد للحل السياسي لكن لا توجد جهة أفاوضها”.
وعلى الرغم من مبررات المعارضة، يرى رجال قانون سوريون أن عمل اللجنة الدستورية، مخالف للقانون الدولي، جملة وتفصيلا.
أقرأ أيضا.. قانوني سوري: مجرمان ضمن وفد نظام الأسد باللجنة الدستورية
ويؤكد “أنور البني” المحامي السوري والخبير القانوني أن “الدستورية تخالف وتنتهك حق ومطالب الشعب السوري بتنفيذ قرار الأمم المتحدة 2254 وبيان جنيف بإنشاء هيئة حكم انتقالي خلال ستة أشهر كما نص القرار وإطلاق سراح المعتقلين ووقف كل الأعمال القتالية وتأمين الحد الأدنى من حياة السوريين وبعد ذلك يتم صياغة دستور سوري يحقق الحياة والمستقبل لكل السوريين دون استبعاد أحد”.
وبعيدا عن تجاذبات المعارضة والشارع الثوري، تبرز تحديات كبيرة لمصير هذا المسار السياسي سببها هواجس عدم التزام نظام الأسد الذي حاول المراوغة مع بدء أعمال اللجنة، بتصريح من بشار الأسد ألمح فيه إلى أن الوفد الذي أرسلته دمشق، ليس ممثلا لحكومة الأسد، وإنما مدعوم من حكومة الأسد، وفي ذلك فرق كبير وفق ما يقول المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض يحيى العريضي.
ويشير العريضي في حديث سابق لوطن اف ام، إلى أن وفد نظام الأسد غير قادر على إصدار قرارات مصيرية في اللجنة الدستورية، وهو ما يصطدم بآمال التوصل لتقدم كبير خلال اللجنة الدستورية.
وكان مبعوث الولايات المتحدة إلى الشأن السوري، جيمس جيفري أكد في 25 تشرين الأول الماضي أن حكومة الأسد تستعد لإفشال مهمة اللجنة الدستورية لأنها “تهاب” اللجنة الدستورية.
أقرأ أيضا..موغيريني: “اللجنة الدستورية” أمل متجدد للسوريين
وأضاف: “حجم الجهود التي بذلتها حكومة الأسد لمنع عقد الاجتماع مؤشر جيد بالنسبة لنا بأن الحكومة تخشى من أن اللجنة وبالدفع السياسي الذي ستعطيه، ستقوض رغبتها في تحقيق انتصار عسكري شامل”.
وتوعد مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية إلى سوريا “جويل ريبورن” في تصريح سبق انطلاق الجولة الأطراف التي تلعب دورا سلبياً يؤثر على عمل اللجنة الدستورية في جنيف بعقوبات.
تبرز كذلك مشكلة عدم توافق الداخل السوري بالكامل، مع عمل اللجنة الدستورية، حيث تقول “الإدارة الذاتية” الخاضعة إنه تم إقصاؤها من اللجنة الدستورية، وترى أن ذلك يمثل غيابها عن الاجتماعات يمثل “إقصاء” إرادة 5 ملايين سوري.