سياسة

عقدة الأسد .. ضغوط متتالية على وفد الهيئة العليا للمفاوضات في جنيف

يزدحم مقر إقامة المعارضة السورية في جنيف، بحركة مبعوثين ودبلوماسيين غربيين، يضغطون على المعارضة للقبول بـ”تجميد” مطلبها بتنحي الرئيس بشار الأسد، بهدف إعطاء دفع للمفاوضات مع وفد نظام الأسد حول التسوية.

وإذا كانت المعارضة لا تزال منقسمة إزاء قبول أو رفض هذا الطلب، لكن الواضح أن هامش المناورة لديها بات ضيقاً بعد التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة في سوريا، التي عزَّزت إلى حد بعيد موقع دمشق.

ويقول عضو في وفد المعارضة المفاوض، رافضاً الكشف عن اسمه لوكالة الأنباء الفرنسية “يكرر معظم الدبلوماسيين الذين زارونا الدعوة ذاتها عليكم التحلي بالواقعية إذا كنتم تريدون تسوية النزاع”.

ويضيف: “يريدون منا تجميد مطلب تنحي الأسد، وليس التخلي عنه تماماً”.

وكانت المعارضة تعرَّضت لضغوط مكثفة للمجيء إلى جنيف بوفد موحد، الأمر الذي نجحت بتحقيقه بعد اجتماع عقدته في الرياض قبل أسبوعين.

والتقى الوفد المفاوض المعارض منذ وصوله عدداً من الدبلوماسيين، آخرهم الأربعاء، المستشارة الأميركية للملف السوري ستيفاني ويليامز، والأسبوع الماضي نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد، ومبعوثين من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والصين، وغيرهم.

ويقول الوسطاء الغربيون للمعارضة، بحسب عضو وفدها، إن فكرة “تجميد” تنحي الأسد هي من باب “إحراج وفد النظام”، ودفعه للقبول بمفاوضات مباشرة معها.

وجدَّد الوفد المعارض الموحد تمسكه لدى وصوله إلى جنيف في بداية الجولة الثامنة برحيل الأسد عن السلطة، مع بداية المرحلة الانتقالية، ما أثار غضب نظام الأسد التي تعتبر الموضوع غير قابل للنقاش.

وبدأت جولة المحادثات الراهنة، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، ثم علقت لثلاثة أيام، قبل أن تستأنف الأمم المتحدة لقاءاتها الثلاثاء مع وفد المعارضة، فيما أعلنت دمشق أن وفدها سيعود الأحد إلى جنيف.

وهناك ردود فعل متباينة داخل المعارضة إزاء الضغوط.

ويشرح مصدر في وفدها في جنيف لوكالة الأنباء الفرنسية “ثمة تيار رمادي يتسع داخل الوفد يضغط للمضي بهذا الخيار، لكن ممثلي الفصائل العسكرية وبعض السياسيين يواجهونه برفض مطلق”.

ويشدد عضو هيئة التفاوض والقيادي في جيش الإسلام محمد علوش، أبرز فصائل الغوطة الشرقية قرب دمشق، على أن “موقفنا ثابت برحيل الأسد منذ بدء المرحلة الانتقالية”.

ويضيف لفرانس برس “إذا كان لدى أي جهة هذا التراجع، فهي تمثل نفسها فقط”، منتقداً بشدة المجتمع الدولي الذي “يحابي المجرم ويحاول تجاوز جرائمه”.

وجزم دي ميستورا أن “مسألة الرئاسة لم تناقش” خلال محادثاته مع الوفدين، الأسبوع الماضي.

وأعلن أن جدول الأعمال يتناول مبادئ عامة، وبشكل خاص موضوعي الدستور والانتخابات.

ويبدو تخلي المعارضة عما كانت تعتبره من “ثوابتها” خياراً صعباً.

وتقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط رندة سليم لفرانس برس: “لا أعتقد أن الوفد الموجود راهناً في جنيف قادر على فعل ذلك، وأن يحتفظ في الوقت ذاته بقدر من المصداقية في عيون الملايين من السوريين، الذين خسروا الكثير في مواجهة نظام الأسد”.

وسبقت جولة المفاوضات الحالية في جنيف سلسلة تقدم ميداني، حققتها قوات الأسد على حساب فصائل الثوار بدعم مباشر من روسيا وإيران.

في الوقت نفسه، بدا أن حلفاء المعارضة التقليديين مثل تركيا والسعودية وحتى الولايات المتحدة لم يعودوا ملحين في طلب تنحي الأسد، ويميلون إلى تسوية ما.

وتقول سليم “تعب حلفاء المعارضة من النزاع ويريدون أن يتوقف. الاعتقاد السائد لديهم أن الأسد قد ربح” جولة الحرب.

لكنها تتوقع، حتى لو رضخت المعارضة للضغوط بشأن الأسد، أن يجد الأخير “عذراً آخر لعدم الدخول في مفاوضات جادة”.

كما يتعرض المعارضون لضغوط من أجل القبول بمطلب آخر هو تمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في الوفد المفاوض.

وتؤكد مصادر معارضة عدة لفرانس برس، أن دبلوماسياً أميركياً رفيع المستوى ودبلوماسيين أوروبيين حملوا هذا المطلب إلى الوفد الأسبوع الماضي. لكن المعارضة أبدت “رفضها المطلق”، معتبرة ذلك بمثابة “عقبة جديدة” أمام المحادثات.

ويسيطر الأكراد على 28% من مساحة سوريا، وألحقوا بدعم من حليفتهم واشنطن هزائم كبرى بتنظيم الدولة . إلا أن أنقرة، أبرز داعمي المعارضة، تعتبرهم “منظمة إرهابية”، وتخشى تكريس حكمهم الذاتي في شمالي سوريا، قرب حدودها، وتمدّده إلى أكراد تركيا.

ويأخذ المعارضون على الأكراد عدم تصديهم منذ اندلاع الثورة في العام 2011 لقوات الأسد.

ومنذ انطلاق مسار جنيف في العام 2014، لم يتلق الأكراد أي دعوة للمشاركة في المحادثات. لكن الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي شاهوز حسن أكد لفرانس برس أن الأكراد تلقوا “تأكيدات من الأميركيين والروس، أنه لن تكون هناك أي تسوية من دوننا، ولن يكتب الدستور من دون مشاركتنا”.

ووجهت روسيا مؤخراً دعوة إلى الأحزاب الكردية في شمالي سوريا، للمشاركة في مؤتمر حوار بين نظام الأسد والمعارضة، تنوي تنظيمه في الشهرين المقبلين في سوتشي من دون تحديد موعده.

وترى المعارضة في هذا المؤتمر “التفافاً” على مسار جنيف، ومحاولة إضافية للضغط على المعارضة.

ويقول قيادي في فصيل عسكري تابع للثوار “تقترح موسكو علينا المشاركة في المؤتمر بوصفه الوسيلة الوحيدة لوقف الحرب”.

في المقابل، يقول مصدر مطلع في نظام الأسد لفرانس برس “سيفتح المؤتمر الباب واسعاً أمام حوار موسع بين كل السوريين، فيما يقيد جنيف الحوار بين وفد حكومة الأسد ومجموعة من المعارضات لا تمثل أحداً” حسب وصفه.

ويضيف “مؤتمر سوتشي سيرسم الحل السياسي، لطرحه لاحقاً في جنيف”.

وطن اف ام / أ ف ب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى