شُيّع اللواء محسن مخلوف، وهو من أقرباء الأسد لأمه، في مسقط رأسه قرية “بستان الباشا” القريبة من مدينة القرداحة التي تنحدر منها عائلة الأسد .
وقد أشارت الأنباء إلى أن التشييع تم وسط أجواء من التكتم والتعتيم، لم يسبق أن حصلت مع شخصية تحمل تلك الرتبة العسكرية الكبيرة التي يحملها اللواء الذي قتل في عملية خاصة لـ”داعش” في أطراف حمص.
وتسري شائعات في مناطق جبلة والقرداحة، أن آل مخلوف الذين تنتمي إليهم أم الأسد، ويعتبرون أخوالاً لرئيس النظام، بدأوا بـ”الامتعاض” لما وصل إليه “حالهم مع بشار”. وأن كثيراً من نفوذهم أخذ بالتضاؤل، بعدما انحاز “بشار لأعمامه”، وأنهم قد ينزلون هم بأنفسهم من سفينته، قبل أن ينزلهم هو منها!
مشادة ما بين الحرس الجمهوري وأهل اللواء
ويفسّر مطلعون على أحوال المنطقة أن التعتيم الذي رافق تشييع اللواء مخلوف، مردّه إلى “مشادّة حصلت ما بين واحد من أبناء اللواء وبعض ضباط الحرس الجمهوري” على مراسم التشييع، فبينما أراد أهل اللواء القتيل أن يستخدموا “ما لديهم من ثروة وجاه في تشييع قتيلهم، تعبيراً عن سطوتهم ونفوذهم”، رفض ضباط الحرس الجمهوري أن يكون للتشييع أي “إضافة تزيينية تجعل من تشييعه مختلفاً” عن تشييع الآخرين.
ويقول المصدر إن حقيقة رفض ضباط الحرس الجمهوري ليس سببه “كرم نفس منهم ليتساوى قتلى سوريا في ما بينهم”، بل سببه هو “تعليمات مشددة في هذا السياق” صدرت من القصر الجمهوري.
خصوصاً أنه لم يبق للعائلة إلا “ضباط صغار” في الجيش. أما “أموال العائلة فهي في مهب الريح” بعد العقوبات التي طالت أكثرهم ثراء، وهو رامي مخلوف، الذي ارتبطت باسمه كبرى قضايا الفساد والتربّح واستغلال النفوذ.
كما أن عدداً من تجار سوريا الذين كانوا يشاركون رامي، سحبوا أموالهم وألغوا تجارتهم معه بعدما شملته العقوبات الأميركية والاتحاد الأوروبي، وأصبح شخصاً “لا يمكن التكسب من ورائه”.
يذكر أن الشائعات التي تلت تشييع مخلوف، تحدثت أيضاً عن “خلافات جوهرية حادة ما بين آل الأسد وآل مخلوف”، خصوصاً في ترتيبات ما بعد الأسد، حيث عُلم في هذا السياق أنه لم يتم “تأمين أي شخص من خارج الدائرة اللصيقة بالأسد”، وأن آل مخلوف “لم يحسب حسابهم في المستقبل”، وأن بشاراً قد حسب حساب أعمامه أكثر من أخواله، وأن الاتجاه العام لدى رئيس النظام السوري ومن حوله، هو “تأمين عائلة الأب” قدر المستطاع. أما ما هو أكثر من ذلك “فمن قبيل المستحيل”.
عجز الأسد عن “تأمين” أخواله بعد رحيله
وتضيف التسريبات أن استبعاد آل مخلوف من “أي ترتيب تفاوضي” لمرحلة ما بعد الأسد، وعدم “حماس الأسد لمنحهم صفة متميزة خاصة” أدت إلى نشوب معارك كلامية حادة ما بين أبناء العائلتين اللتين تصاهرتا على يد حافظ الأب، وأنيسة مخلوف زوجته منذ النصف الأول من القرن الماضي.
وتؤكد المصادر أن رئيس النظام السوري “لم يعد لديه شيء يقدمه لأحد”، وأنه بالكاد يمكن أن يفاوض بالأصالة عن نفسه. أما الأرض هناك “فباتت في أيدي العائلات الجديدة التي أثرت من حرب النظام مع المعارضة”، وهو – أي الأسد- لم يعد مانح نفوذٍ بل “أصبح محتاجاً إليه”، بدليل، تقول المصادر، إن كل مسلحي ما يعرف بجيش الدفاع الوطني، مثلاً، هم الآن أقوى من “النيابة العامة” ولا يدخلون المحاكم ولا أحد يجرؤ على استدعائهم.
الساحل تغيَّر.. والأرض لمن يطلق النار عليها!
سبب آخر لمرور تشييع اللواء محسن مخلوف “مرور الكرام”، وهو أن بنية النسيج الاجتماعي في المنطقة قد تغيرت جذرياً منذ اندلاع الثورة السورية وبداية الصدام المسلح ما بين المعارضة وجيش الأسد.
فقد برزت قوى أخرى على السطح، أغلبها من “أمراء الحرب” وأثريائها، أولئك الذين أفسح النظامُ بالمجال لهم لممارسة كل أشكال النفوذ والتكسّب، من مثل جيش الدفاع الوطني أو درع الساحل، أو باقي الفرق الصغيرة المدعومة من هذ الطرف أو ذاك.
ورثةُ الأسد ضحاياه..
المصادر العارفة بشأن عائلات المنطقة وعشائرها وبنيتها الهَرَمية، تؤكد “استحالة أن يكون لكل هذه العائلات أي دور في المستقبل”. فمن جهة، حققت هذه العائلات مكاسبها بسبب مصاهرتها والسلطة، منذ عقود. ومن جهة ثانية، برزت قوى أخرى إلى السطح، وهذه القوى هي مزيج من: بقايا أنصار، وأهالي ضحايا، وأثرياء حرب، ومريدي التيار الديني المتشدد الذي بدأ يطفو إلى السطح في البيئة العلوية.
لهذا، وجدت كل المصادر السابقة أن التكتّم والتعتيم على خبر تشييع اللواء محسن مخلوف، مردّه إلى كل هذه الأسباب مجتمعة. وأنه “لا عودة إلى الوراء”، ولن يمكن التعامل “مرة أخرى مع النافذين” على أنهم “أولاد السّت” ومع باقي أبناء المنطقة “كدرجة ثانية” كما كان يحصل منذ عقود، وقبل ولادة الثورة السورية، التي أفاد منها أهل الساحل على المستوى الحقوقي، مع أنهم لم يساهموا بها، بل ناصبوها العداء بطرق متعددة.
شيء ما يلوح في الأفق
وكانت الأنباء قد ذكرت أن عدداً من ضباط الأسد في القرداحة، انشق عن جيش النظام، ومنهم ضباط من آل مخلوف، بينما لم تعرف أسماؤهم ورتبهم العسكرية بالضبط. ويرجح الخبراء أن يكون لانشقاق “ضباط من آل مخلوف” صدى واسع في المنطقة، خصوصاً إذا ما تم هذا الانشقاق بعد أنباء تخلّي – أو عَجْز- الأسد عن “تأمين أخواله”، لأن “اللعبة الدولية” لها شروطها، ولا يمكن بحال من الأحوال لفاقد الشيء أن يعطيه. وهو، يقول عارف بالمنطقة، حال الأسد الآن “المحتاج للدعم والنفوذ”، فكيف له، يسأل المصدر، أن يمنحهما لأحد سواه وهو لا يمتلكهما في الواقع؟
المصدر : العربية