جيل كامل من الأطفال السوريين يعاني خطر المستقبل المجهول، بعد أن فقدوا حاضرهم نتيجة الحرب وماحملته معها من ظروف وتغيرات أجبرتهم على ترك مقاعد الدراسة، وآخرون أجبروا أيضاً على هجر منازلهم.
وعلى الرغم من انتقال الكثير من الأطفال مع ذويهم إلى تجمعات شبه آمنة قرب الحدود السورية التركية، إلا أن فكرة استكمال التعليم لم تعد بهذه السهولة بالنسبة للأهل.
الأطفال المغيبين عن التعليم بالأرقام
حسب إحصائيات صادرة عن منظمات حقوقية ودولية مختصة بالطفل، فإن أكثر من “نصف مليون طفل في الشمال السوري” بين عمر “الستة وخمسة عشر سنة” خارج مقاعد الدراسة لأسباب مختلفة، أبرزها فقدان المعيل أو عدم وجود مراكز تعليمية مهيئة لاستقبال التلاميذ.
تختلف نسبة التسرب بين المراحل الدراسية في الشمال السوري، فهي تبدء من الحلقة الأولى بنسبة تصل إلى “35%” وترتفع باضطراد مع ازدياد المستوى التعليمي ووتجاوز “60%” في الحلقة الثانية، وتصل نسبة التسرب لطلاب المرحلة الثانوية إلى “85%”، بمعدل وسطي يزيد عن الستين بالمئة من الأطفال خارج مقاعد الدراسة، كما يشرح المدرب والخبير التربوي “محمد مصطفى”.
التعليم في ظل الوضع الراهن
ويقول مصطفى : “تختلف أسباب هجرة الأطفال لمقاعد الدراسة إلا أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعاني منها العائلات والتي تضطرها إلى إرسال أبنائها إلى العمل، وقلة المراكز التعليمية وبدائيتها خاصة في المخيمات، بالإضافة إلى القلق على حياة الطفل بمدارس القرى التي تشهد حالات قصف متكررة، وهي مركزة في معظمها على المرافق الحيوية والمراكز التعليمية.
ويتابع مصطفى : كل هذه الأسباب وغيرها، كمساهمة الطفل بإعالة أسرته، أو الحالة النفسية التي يعاني منها الطفل الذي عايش سنوات الحرب، ويضاف إلى ذلك حالة التعليم في المخيمات والتي تكون فيه المراكز التعليمية غالباً عبارة عن خيمة وعدة مقاعد، جعلت من إرسال الأطفال إلى المدارس عملية غير مجدية بنظر بعض العوائل.
ويتخوف الأستاذ “محمد مصطفى” من “أن هذا الأمر سيحمل أثراً سلبياً خطيراً على مستقبل البلاد، خاصة بعد سنوات الحرب التي دمرت كل شيء، وأحدثت فجوة بين أصحاب الشهادات والجيل القادم لسوريا الذي يعاني من انتشار الأمية.
حملة عيش الطفولة
هذه الأرقام وغيرها من الإحصائيات الخطرة، بما تحمله من دلالات انتشار الأمية والجهل بين الأطفال بنسبة تفوق الخمسين بالمئة، دفعت عدداً من الناشطين في ريف ادلب إلى اطلاق حملة “عيش الطفولة” والتي تستهدف العوائل في المخيمات الحدودية، وحثهم على ارسال أبنائهم إلى المراكز التعليمية.
حملة “عيش الطفولة” تأتي نتيجة ارتفاع نسبة التسرب بين التلاميذ خاصة في المخيمات وانتشار الأمية بين الأطفال وهو ماينعكس سلباً على المجتمع مستقبلاً، وللحد من هذه الظاهرة كان لزاماً علينا إيجاد طرق وحلول لمعالجة هذا الأمر على المدى القريب، كما يوضح الناشط “أحمد حاج بكري” مدير حملة “عيش الطفولة”.
ويضيف بكري : تستهدف الحملة أطفال المخيمات الحدودية بريف اللاذقية من قرية الزوف وصولاً لقرية الحمبوشية بريف ادلب” ويبلغ عدد الأطفال بهذه المنطقة مايقارب “الخمسة عشر ألف طفل”، وتصل نسبة المتسربين إلى أربعة أطفال من أصل عشرة خارج مقاعد الدراسة، وهو مايعادل “35%” من الأطفال المتواجدين.
معرفة الأسباب وإيجاد الحلول
الفقر وعمالة الأطفال وغض الأهالي الطرف عن فكرة تعلم الأطفال في الوقت الراهن، نظراً لتدني فرص التلاميذ في متابعة المراحل الدراسية المتقدمة مستقبلاً، خاصة وأن جل المراكز والمعاهد التعليمية والكليات التربوية في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار لاتمتلك اعترافاً رسمياً، عوامل أسهمت في ارتفاع نسبة الأمية والتسرب بين الأطفال.
وعن هذا الموضوع يجيب الناشط “أحمد حاج بكري” نحاول الحديث من خلال الحملة، مع ذوي التلاميذ بصورة مباشرة، وحثهم على ضرورة إرسال أبنائهم إلى المدارس، إضافة إلى معرفة الأسباب التي تدفع الأهل للعدول عن فكرة تعليم الأطفال ومحاولة الوصول إلى نقطة جامعة بيننا، وهذه أيضاً عملية تحتاج إلى واقع مشجع للأهالي من خلال وجود مراكز تعليمية متقدمة ومحسنة تجعل الأهل راضين عن وجود أبنائهم فيها.
ويشير أيضاً: تم العمل على تدعيم خمسة مراكز تعليمية في ريفي ادلب واللاذقية تضم صالات للألعاب والترفيه لجذب الطفل وتحفيزه على تلقي العلم، والعمل جار على توسعة نشاط الحملة خلال الأسابيع القادمة وتدعيم المراكز بمرشدين نفسيين.
ويرى القائمون على حملة “عيش الطفولة”، أن عودة الأطفال إلى مقاعد الدراسة التي تعتبر مكانهم الطبيعي، ستكون عاملاً مهماً في انخفاض نسبة البطالة بين الشباب والرجال، نظراً لاعتماد الكثير من أصحاب المهن على الأطفال وذلك نتيجة انخفاض أجورهم بالمقارنة مع البالغين، وهي نقطة إيجابية أخرى مهمة للحملة، ستنعكس على المجتمع بشكل عام وإن كان بطريقة غير مباشرة.
منصور حسين – وطن اف ام