منوعات

قلادة دم لسلاف فواخرجي… جائزة لأبشع شفايف وأفضل شبيح

 

قريبا ستأتي المرأة التي تهز عرش مصر، دون أن تخوض انتخابات رئاسية ودون أن تقع في غرام الفاتحين الجدد من قياصرة أو أكاسرة أو عصملية أو شبيحة أو «دواعش» !

الحديث عن فن الجوسسة والعلاقات السريرية بين الفنانات والرؤساء، ليس خطيرا كما نظن، ولكنه قاتل في أحسن أحواله، ولذلك نجحت مارلين مونرو بقتل كينيدي بعد اغتيالها، في جريمة اقتضى شرطها التاريخي رحيل مونرو قبل ارتكابها، ورغم أن الأمر يختلف مع سعاد حسني، التي لم يمهلها تاريخها السياسي فرصة للندم، فاكتفى بغفران ذنوبه معها على طريقته، إلا أن الفن نجح دائما بتحقيق المعجزات التي تعجز السياسة عن تحقيقها، لا بل أكثر من ذلك، فلولا أن الراقصة اليهودية سالومي رقصت في بلاط هيرودوس رقصتها العارية، لما كان لرأس النبي أن يطاوع طبق الفضة، فيستشهد كي تتمكن من تقبيله!

 

أرض الدم والعسل

 

الأمثلة في هذا المجال كثيرة وصادمة، وما خفي منها أعظم، غير أن ما يهمنا هنا هو الفارق بين «كليوباترا الدمشقية» و»كليوباترا الهوليوودية»، فبعد مسيرة حافلة من الإغراء السينمائي والبطولات الغوائية التي توجتها ملكة الشاشة السينمائية، تدير إنجلينا جولي ظهرها لكل هذا الضوء، فتزيح عنها وجه الكاميرا، لتلعب مع المشاهد لعبة الغميضة، من وراء ستار، في عملية استدراج ذكية، توقع بها إمضاءها كمخرجة لعمل سينمائي يوثق لمأساة الحرب الأهلية في سراييفو «قدس أوروبا»، بعنوان «أرض الدم والعسل» -2011، تدين به عنصرية الصرب وإبادتهم العرقية للمسلمين، باللعب على وتيرة الفن والسياسة، حيث اختارت أن تكون بطلة فيلمها رسامة مسلمة، عشيقة لابن أحد القادة الصربيين المتطرفين، الذي يكتشف في النهاية أنه متورط مع عدوته..

قد يكون وراء تأليف «جولي» وإخراجها لهذا الفيلم الذي حظي – للأسف – بعرض مسرحي محدود، ما هو أكثر من نشاطها الإنساني لمناصرة القضايا العادلة بمعزل عن العرق والدين، وهو ما لا يمكن أن تجده في عالمنا العربي الذي تتقمص فيه بعض الفنانات أدوار بطولة دونكيشوتية، تنحاز فيها إما للعدو وإما للحاكم، فتفقد عقلها جراء محاولة فاشلة لقنص الجسد بسنارة الظل !

 

كليوباترا في مخيمات اللاجئين

 

تصرح «جولي» أنها ستعتزل الفن بعد أدائها لشخصية كليوباترا، لتتفرغ للأمومة والأعمال الخيرية، وهي التي زارت مخيمات اللاجئين السوريين وتبنت طفلا سوريا، وتحدثت إلى ساسة العالم دون وجل أو خوف تدين عدم توصلهم لحل سياسي لإنهاء الصراع في سوريا ومحاكمة مجرمي الحرب، فما الفرق بين هذه وبين «كليوباترا الدمشقية» سلاف فواخرجي مع احترامي التام لحقها المشروع بتبني وجهة نظر خاصة لا يحق لكائن من كان أن يحاسبها عليها؟

الفرق لن تراه فقط بفهم الشخصية الغوائية لكليوباترا ضمن الظرف السياسي وصراعات القوى آنذاك، فتقمص سلاف لهذه الملكة جاء مسطحا لا يلبي العمق العاطفي والتاريخي للشخصية، بقدر ما يسخره لجمال الفنانة التي تقوم بدورها، فيتم تطويع التاريخ والفن لصالح الرسالة السياسية التي تحملها لهما أجهزة الدولة مسبقا.

بينما سيختلف الأمر حتما مع «كليوباترا الهوليوودية»، فالإغراء رسالة فنية راقية إن مورس بلا ابتذال ولا انحطاط، وقضية الشذوذ الجنسي التي طرحتها في أحد أفلامها حملت وجهة نظر تتلاءم مع مجتمعها وقدمت بقالب إنساني لا يخرج من إطار القضية، ولا يجنح إلى الإسفاف الذي تراه في أفلام مثل: برونو – 2009، وقذارة 2013، وغيرهما من الأعمال التي تندرج تحت قائمة الأفلام الإباحية، لأنها تبيح البذاءة والقبح، وتروج للعلاقات المثلية بأسلوب مقزز ومنحل أخلاقيا.

رغم أن سلاف أنكرت أنها رأت الرئيس الأسد، أو قابلته، ورغم أنها تدافع عنه باستماتة أكثر مما يحتمل الدم السوري أو يغفر، ورغم أنها تؤدي مهمتها السياسية بأدواتها الفنية المصرح بها، فإن نجاح أنجلينا جولي في كليوباترا سيتوقف دائما على فشل وظيفي في الجهاز الغوائي لفنانات البلاط الرئاسي في عالمنا العربي، ولكم في السيدة الأولى عبرة يا أولي الأطباق !

 

حرائر بلا حرية

 

إن اللغة أنثى حين يتعلق الأمر بالقبلات، وإطلاق اللحى على الطريقة الداعشية، ولأجل هذا سأخص باسل الخطيب بقبلة على جبهة الخارطة الفلسطينية فوق الجبين… ولكن !

للخطيب عينه الإيحائية، التي ترسم المشهد برؤية شعرية ولمسات رمزية، متكئة على نفس موسيقي يأخذ مساحته في النص المضمر من الرواية الدرامية، وهذا ما تترجمه أعماله منذ «أيام الغضب»، «أنشودة المطر»، «عائد إلى حيفا»، «نزار قباني»، «يحيى عياش»، «رسائل الحب والحرب»، «ناصر»، «أنا القدس» وصولا إلى مسلسل «حرائر»، الذي تعرضه قناة الإمارات، وتقوم سلاف فواخرجي بدور البطولة فيه، حيث تجسد شخصية مستهلكة في الدراما العربية «زوجة الأخ الأرملة التي تناضل لتربية بناتها ولأخذ حقهن الذي سلبه عمهن منهن»، المشكلة ليست في الشخصية، إنما بطريقة أدائها التي بدت مفتعلة ومبالغا بها، لأنها رُصًّتْ في قمقم المثالية التي جردتها من إنسانيتها، وحولتها إلى أيقونة آلية يمكن شحنها بالبطارية، لإيصالها لفوهة القمقم دون تحريرها منه، وهذه أدوار لم تعد مقبولة في هذا الزمن الذي لا يرضى بتصنيع قماشة درامية من مادة هلامية، ولا يقنع بالتعاطي مع المستحيل كنموذج مرغوب به، لأنه مشغول بالفراغ، يحك عقله بحذاء جلاده، ليستخرج منه سياطا على مقاس جلده !

أما دور ماري عجمي تحشرج فوق مطبات عاطفية أنهكت صلابة الشخصية، وتوازن مضيها وتطورها، وخانت رباطة الجأش وكبرياء الألم عند كاتبة مناضلة تجاوزت كل التابوهات وقفزت فوق الحواجز بعكازة وقلم، ولكنها في المسلسل تندب حظها كنساوين الحارات، وتتشحتف على حبيبها بما لا يليق بعنفوان الموقف ورقة الثبات.

كنا نتمنى أن نرى ملحمة شامية، على غرار «رسائل الحب والحرب»، و»إخوة التراب»، و»أبي كامل»، خاصة في جزئة الأول، وووو، ولكن الانشغال بتوزيع وصفات وطنية جاهزة تقول جملتها الأساسية بأكثر من عبارة: التاريخ يعيد نفسه… أسقط من يد الفن عصاه السحرية: إخفاء الأحجبة في مملكة الجان، لا التدليل على الوصفات الوطنية في كل دكان.

 

قلادة الدم

 

لن يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير حين نتوج القضية السورية بطلة الأعمال الدرامية في رمضان الحالي، وحين نثني على ميساء مغربي في برنامج «ريتنغ رمضان» وهي تتأمل الممثلين السوريين متسائلة: ما هو سركم؟ ولن نتردد برفع القبعة عاليا لكل فناني الشام مهما كانت توجهاتهم السياسية، لأنهم عادوا، وأعادوا إلى الدراما العربية سرهم دون أن يبوحوا به أو يفشوه.

يبقى أن نخمن أو نقترح أو نتخيل قائمة من الجوائز توزع على النحو التالي: 

-1 قلادة دم، لسلاف فواخرجي، وهذه تحتمل وجهين: أحدهما لصالح الدم والآخر لصالح القلادة !

2 – عرش مصر لإنجلينا جولي، وهذه تحتمل وجها واحدا لصالح الإخوان !

3 – أفضل شبيح، رافي وهبي، الذي تميز على صعيد الكتابة والأداء بما يخص هذه الشخصية تحديدا، حيث دخل إليها بلا تحامل مسبق عليها، جردها من فرائها الوحشي، وانتزع طقم الأنياب وعدة التشبيح، ليعرضها في لحظة السقوط وانهيار الجبروت، وتداعيات الذاكرة، وحمحمات الحب، و المراوحة بين الهروب والخضوع والجبن والحقد والانصياع والاضطهاد، وأخيرا نشرها على حبل غسيل سياسي بلا ثياب، ولا جسد ولا روح، أبدعت في الوجهين يا رافي وهبي: كاتبا وقارئا !

4 – جائزة أبشع شفايف في هذا الموسم تذهب لممثلتين حتى الآن، الأولى لنادين نجيم، والثانية لهبة داغر، مع احترام الحق الشخصي لأية إنسانة أو فنانة بإجراء عملية تجميل أو حقن بوتكس، ورأينا ليس تدخلا في شأن لا يخص سوى صاحبته، بقدر ما هو اعتراض فني على المبالغة بطريقة الظهور، مما يشوه الأداء، ويحرف الانفعال عن وجهته ليبدو متلكئا أو بهلوانيا.

5 – أقذر الشتائم لبرنامج «رامز واكل الجو»، والذي سمح بعرض شتيمة مخزية على لسان «دوللي شاهين: «دون أي تشفير أو بتر أو حذف.. العيب ليس في العرض طبعا، إنما في الأدب الذي اعتذر عن دور ثانوي في أهم بطولة: طقطقة شرش الحياء.. وهي رياضة روحية حديثة بالمناسبة تساعد على تخفيف الوزن.

6 – جائزة لكل مواطن مصري: مذيع أو مذيعة «توك شو» سياسي مع مانشيت عسكري: (هو ذا الرب، راكب على سحابة سريعة، وقادم إلى مصر) – «سفر إشعياء».

المصدر : القدس العربي

 

زر الذهاب إلى الأعلى