تغيرت تصورات العديد من السوريين المقيمين في دول الخليج منذ سنوات، فبعد أن كانت مكاناً لفرص عمل كبيرة، ازدادت مع النزاع السوري صعوبات الإقامة هناك، ما دفعهم إلى الهجرة نحو أوروبا، التي ضمنت لهم بوادر استقرار غاب عن وطنهم.
سافر أحمد إلى الإمارات آملاً في أن يجد مستقبلاً أفضل في أحضان بلد من بلاد النفط الخليجية. كانت السنوات الأولى صعبة لأنه كان يعرف أن التدرج الوظيفي مسألة وقت حتى يكتسب خبرة جيدة هناك. وعمل الشاب السوري مديراً في أحد متاجر دبي وحصل على راتب جيد، لكن طموحاته لم تتوقف على ذلك فعمل جاهداً أملا في الحصول على منصب أعلى.
بيد أنه سرعان ما اصطدم بتحديات جمة تعوق دون ذلك. عن هذا يقول أحمد: “الحصول على منصب أعلى يحتاج إلى جنسية أوربية أو أميركية. حاولت الكثير جداً أن أحصل على درجة مدير منطقة ولكنهم مستعدين أن يمنحوا هذا المنصب لأي أوروبي حتى بدون خبرة”.
وكان ذلك أحد أسباب قراره للسفر إلى أوروبا وطلب اللجوء في أحد بلدانها بحثاً عن الاستقرار، إذ كان من الصعب عليه تجديد إقامته في الإمارات. وليس من سبب آخر سوى لأنه “سوري” – كما يقول – رغم أنه قضى أكثر من خمسة سنوات في تلك البلاد. ويوضح أحمد: “لا يستطيع المقيم في الإمارات الحصول على الجنسية حتى ولو أقام هناك العمر كله. أما عن نوع الإقامة التي يحصل عليها المقيم هناك فهي إقامة عمل صالحة لمدة سنتين تجدد لمرات لا متناهية بعد موافقة الكفيل. أما في أوروبا فيستطيع أي شخص الحصول على الجنسية بعد الإقامة لمدة تتراوح بين 5 إلى 8 سنوات”.
خيارات محدودة
لم يكن أمام أحمد أي خيار آخر، وهو يعتقد أن كل يوم قضاه في الإمارات كان يمكن أن يكون يومه الأخير هناك، حيث بدأت العلاقة بينه وبين رب العمل تنهار، فأُسلوب التعامل تغير جداً بعد إدراك الشركة أن ليس لدى أحمد الخيار للعمل في شركة أخرى.
وبدأت الضغوطات تتزايد حتى باتت فكرة اللجوء إلى أوروبا هرباً من هذا الوضع تتلألأ أمام عينيه أملاً بحياة مستقرة. وقع اختياره على ألمانيا وذلك لما توفره من فرص للتعليم والتطوير الذاتي، بالإضافة إلى فرص العمل الأفضل. “الحصول على تأشيرة إلى ألمانيا كان مستحيلاً تقريباً، فقررت أن أتقدم لطلب تأشيرة زيارة إلى إيطاليا وحصلت عليها وسافرت إلى ألمانيا، مستفيداً من قانون اللجوء الجديد”، يقول أحمد.
ويضيف بالقول: “لم يعد لي وطن. ماذا سأفعل إذا فقدت عملي ولم أجد عمل آخر؟ هل سأعود إلى سوريا؟ بالطبع لا. كان من الطبيعي أن أتطلع إلى إيجاد وطن آخر”.
تحديات عدة والنتيجة ذاتها
سوري آخر، لا تختلف تفاصيل قصته عن قصة أحمد. كان علاء من المحظوظين القلائل بحصوله على تصريح عمل في الإمارات، وذلك بعد مرور سنتين على الحرب الأهلية في سوريا التي كانت السبب في امتناع الحكومات الخليجية عن منح التأشيرات لأي مواطن سوري خوفاً من توافد الأعداد الكبيرة من السوريين.
وعمل علاء بوظيفة بائع في أحد المتاجر في مدينة أبو ظبي وكان راضياً جداً عن عمله. “أصبحت الإمارات بلدي الثاني. أستطيع أن أوفر حاجياتي الأساسية ولدي صحبة جيدة هنا وهذا كافي بالنسبة لي”.
بدت حياة علاء مثل قطعة معدن يتجاذبها مغنطيسان، أولهما الضغوطات التي تواجهه من رب العمل كونه لا يملك فرصة للانتقال إلى عمل آخر حتى انقضاء سنتين، وثانيهما السفارة السورية امتنعت عن تجديد ومنح جوازات جديدة للسوريين في الإمارات، كما يوضح علاء. ويقول الشاب السوري مضيفاً: “اعتدت على الحياة هنا، لكن تجديد جواز السفر أصبح مستحيلاً وانتظرت لأشهر ولم أحصل على الموافقة الأمنية”. غمر الاستياء قلبه قائلاً: “الحصول على تمديد الإقامة في الإمارات أو تجديدها بجواز بصلاحية أقل من ستة أشهر غير مسموح وفي النهاية توجب علي مغادرة البلاد”.
كان لا بد من الهروب من بين قطبي المغناطيس والتطلع لحياة أخرى في أوروبا. بدء بالبحث عن مخرج إلى أن وجده بعد عملية بحث طويلة. استطاع أن يحصل على تأشيرة سياحية إلى روسيا، ومن بعد ذلك طيران الترانزيت عبر فنلندا، ما منحه فرصة الوصول إلى مطار هليسنكي وطلب اللجوء هناك. يقول علاء فرحاً: “حصلت الآن على وثيقة سفر فلندية ولم يعد بإمكان السفارات السورية ممارسة أي ضغوطات علي”.
الصحة شرطاً أساسياً للحياة
فادي شاب سوري آخر، هاجر مع زوجته منذ أكثر من عشر سنوات إلى الإمارات لعوامل اقتصادية، سالكاً درب العديد من السوريين. لم تكن قصته مسألة أوراق أو إقامة بل كنت تتمحور حول أهم شيء في حياتنا وهي الصحة. يعاني فادي من العقم وذلك بسبب تناول أدوية معينة في مرحلة الطفولة للعلاج من مرض حمى البحر المتوسط، ولكن التأمين الصحي الذي يمتلكه لا يغطي تكاليف معالجة هذا المرض ودخله لا يساعده على تغطية نفقات العلاج. “حاولت العلاج في الإمارات واضطررت إلى دفع معظم مدخراتي ولكن دون فائدة بسبب تدني مستوى الخبرة الطبية هناك”، يقول فادي وخيبة أمل واضحة تعلو وجهه.
وعلى الرغم من تمتع كل شخص بتأمين صحي في دول الخليج، إلا أنه لا يغطي كافة تكاليف العلاج وفي بعض الحالات يتوجب على المريض دفع التكاليف كاملة لبعض الأمراض والحالات.
القدوم إلى ألمانيا كان أمل فادي الوحيد لتأمين حاجاته الأساسية في الحياة. ويعبر فادي عن ذلك قائلاً: “كان لا بد من اللجوء إلى ألمانيا لتحقيق حلمي بالحصول على طفل لذلك قررت ذلك من خلال كفالة أحد الأٌقرباء والآن لدي أمل كبير أن أَشفى من مرضي”.
والآن يعيش فادي في مدينة فرانكنبيرغ في ألمانيا ويتلقى علاجه لدى أحد الأطباء: “أنا سعيداً جداً لم أكن أتخيل يوماً أنني سأخضع للعلاج في ألمانيا. لقد كان حلمي والآن أصبح حقيقة”.
المصدر : dw