“اسألوا حسن جمال”.. لم تكن هذه الجملة الصغيرة التي أجاب بها الرئيس التركي السابق تورغوت أوزال عن سؤال لأحد الصحافيين قبل 25 عاماً حول سبب سوء العلاقات العربية – التركية، محاولة للهرب من الحديث في موضوع شائك، بل كانت مدخلا لسرد رواية فريدة من نوعها عن تجنيد الحكومة البريطانية لمسؤولين عثمانيين كبار للعمل ضد دولتهم ولصالح تشويهها، ومن بينهم حاكم الشام الشهير “جمال باشا” الذي “طعن الخلافة العثمانية في ظهرها”.. الرواية كانت مربكة لدرجة جعلت نشرها يتأخر 25 سنة بناء على طلب الرئيس.
وبحسب ما نشرت صحيفة Star التركية الثلاثاء 19 أبريل/نيسان 2016 ونقلته عنها الصحافة المحلية، فإن صحافياً سأل الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال خلال زيارةٍ رسميةٍ إلى موسكو وكييف في العام 1991، إن كان دعم بلاده للتدخل الأميركي في العراق سيزيد سوء علاقاتها مع العرب، خصوصاً وأنها لم تكن بالجيدة منذ العشرينيات عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية.
غير أن جواب أوزال لم يكن عادياً، حيث قال للصحافي إن هذا السؤال “يجب أن تطرحوه على حسن جمال” الذي كان مرافقاً له حينها في الزيارة، وهو صحافي وكاتب وسياسي تركي شهير، كما أنه حفيد جمال باشا قائد الجيش العثماني الرابع، وحاكم سوريا وبلاد الشام منذ 1915، والمُلقب عند الشاميين بـ “السفاح”.
ماذا كان يقصد؟
بعد مدةٍ قصيرةٍ من تصريحه الذي لم يتمكن أحدٌ من فهم المقصود منه، نجح الصحافي التركي يالتشين أوزير رفقة زميل آخر له بعمل حوارٍ مع أوزال لم يُطبع أبداً بالنظر إلى التصريحات القوية التي جاءت فيه وبناء على طلب الرئيس نفسه، حسب ما نشرته صحيفة Star.
وقال الرئيس الذي حكم تركيا بين عامي 1987 و1993 في الحوار توضيحاً لجوابه غير المفهوم، إن من مشاكل أنقرة أنها في منطقة ساخنة يوجد في دولها الكثير من الأشخاص الذين يمكن شراء ذممهم، عكس الألمان الإنكليز والفرنسيين والروس واليابانيين.
وأضاف الرئيس التركي – والرواية على ذمة صحيفة Star – أنه قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية، “تمكن الإنكليز من شراء أشخاص داخلها ومن بينهم الوالي جمال باشا، قائد الجبهة الجنوبية الذي كان يأخذ راتباً من البريطانيين”.
وأفادت الصحيفة التركية نقلاً عن أوزال، أن جمال باشا تلقى تعليمات من الإنكليز بأن يقوم بتجميع بنات علماء وفقهاء الشام، التي كانت حينها مركزاً ثقافياً كبيراً في العالم الإسلامي، في منزل للتحرش بهن وإرغامهن على شرب الكحول قبل إطلاق سراحهن من جديد.
تنفيذ الأوامر وما بعدها
وأكد أوزال أن جمال باشا قام بتنفيذ أوامر الإنكليز مباشرةً بعد تلقيها، والتي أدت بعد انتشار خبرها في العالم العربي إلى موجة من العداء المرتفع للعثمانيين بين العرب، حيث انتشرت دعائية تقول “إن العثمانيين خرجوا عن طريق الإسلام وفسُدت دولتهم”.
وقال أوزال مؤسس حزب الوطن الأم اليميني القومي، إن الشريف حسين الذي وصفه بـ “المنتظر” و”المستعد” لمثل تلك الحوادث، لما وصله الخبر في الحجاز، صدقه من دون التأكد من حيثياته، ما أدى إلى تعاون العرب مع الإنكليز وثورتهم على العثمانيين.
واعتبر أوزال أن “الأشخاص الذين تمكن الأوروبيون من شرائهم داخل هرم الدولة”، هم سبب انهيار الإمبراطورية العثمانية وسوء علاقاتها مع العرب ومسلمي الهند، وسبب فصل تركيا عنهم.
وأضاف أن الإنكليز كسبوا بهذه الطريقة أمرين، الأول هو البترول الموجود في الشرق الأوسط، حيث باتوا هم المتحكمين فيه، والثاني سيطرتهم التامة بعدها على الهند، حيث لم يتمكنوا لسنوات طوال من بسط نفوذهم عليها بسبب ولاء مسلميها التام للخلافة الإسلامية.
تورغوت أوزال.. العلماني المسلم
يُذكر أن تورغوت أوزال واحد من أكثر الرؤساء والزعماء الأتراك إثارةً للجدل، حيث أصبح رئيساً للبلاد ما بين 1989 إلى حين وفاته في العام 1993 بعد أن كان رئيساً للوزراء لما يُقارب العقد، وكان أول وآخر من استضاف داخل القصر الرئاسي احتفالات دينية صوفية بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف.
وعرف عهد تورغوت أوزال توازناً ما بين الإسلاميين والعلمانيين في البلاد، حيث سمح للإسلاميين بإنشاء الصحف والقنوات التلفزيونية، كما استقطب إلى حزب “الوطن الأم” بعضاً من الرموز الصوفية، وحافظ على أداء صلاة الجمعة في المسجد وقام بفريضة الحج 3 مرات، لكنه في نفس الوقت التزم بمبادئ العلمانية وعلى ليبراليته التي آمن بها حتى موته.
أما جمال باشا المعروف في الشام بلقب السفاح فهو قائد الجيش الرابع العثماني ووزير البحرية، عين حاكماً على سوريا وبلاد الشام في العام 1915، وقد كانت شخصيته مثار جدل كبير في التاريخ.
وكان المخرج السوري نجدة إسماعيل أنزور الموالي لنظم الأسد، قد أنتج مسلسلاً درامياً بعنوان “إخوة التراب”، يحكي عن الحقبة التي حكم فيها جمال باشا سوريا، وعن “ثورة العرب” في سوريا ضد العثمانيين، وهو المسلسل الذي كان قد سبّب أزمةً دبلوماسية بين دمشق وأنقرة.
المصدر : هاف بوست عربي