بحثت حلقة اليوم من برنامج “في العمق”، الذي تبثه إذاعة “وطن اف ام” كل اثنين وخميس، في جرائم الاختفاء القسري، المُصنفة على أنها من “الجرائم ضد الإنسانية”، وعن سُبل ملاحقة مُرتكبيها في سورية، حيث ناقشت الحلقة هذه القضية، بالتزامن مع إحياء الأمم ومنظماتها، لليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، الذي هو الثلاثين من آب/أغسطس.
والاختفاء القسري له تعريفاتٌ عديدة، كلها بالمحصلة تُحددهُ على أنه أي عمليات اعتقالٍ أو اختطافٍ أو احتجازٍ، أو أي شكلٍ من أشكال حرمان الأشخاص من حريتهم، من قبل السلطات الحكومية الرسمية، أو من قبل جماعاتٍ أو أفرادٍ يتحركون بدعمٍ أو موافقةٍ من قبل سلطات الدولة، بحيث يتم احتجاز الأشخاص دون السماح لهم بالتمتع بحقوقهم القانونية، ودون السماح لذويهم بمعرفة مكانهم أو ظروف احتجازهم، أي أن الاحتجاز يتم دون حماية القانون، وقد يكون أساساً خارج نطاق القانون.
وتعرفُ منظماتٌ دوليةٌ حقوقيةٌ الاحتجاز القسري، بأنه الحرمان من الحرية، ويتبعه رفض الاعتراف بمصير الشخص المختفي، أو مكان احتجازه، مما يجعله خارج حماية القانون.
وعادة ما يتم هذا الإخفاء على أيدي السلطات الحكومية، ويكون وراءه دوافع سياسية أو استهداف لمعارضين أو صحفيين أو أصحاب الرأي. ويعد الاختفاء القسري الممنهج جريمة ضد الإنسانية بحسب القانون الدولي وبحسب نظام روما الأساسي وفي ظل سياسة الإفلات التام من العقاب.
ولا تتوقف معاناة ومأساة الأشخاص الذي تم احتجازهم قسرياً، عند تغييبهم عن ذويهم وإخفاء مصيرهم ومكانهم وظروف احتجازهم، إذ يتعداه لكونهم سيتعرضون غالباً لكافة أنواع الانتهاكات من حرمان من الحرية، وتجويع وحرمان من الرعاية الطبية، وتعذيب قد يصل إلى حد القتل، كما حصل في سورية لعشرات ألاف المعتقلين.
وفيما يغصُ العالم العربي اليوم، بعديدٍ من الثورات والصراعات والحروب، فإن الاختفاء القسري بكثيرٍ من الدول العربية، بات يمارس بشكل ربما شبه يومي، منذ سنوات، وخاصة في سورية.
فإحصائيات منظمات حقوقية محلية ودولية، تؤكد أن أكثر من مئة ألف شخص في سورية، هم رهن الاحتجاز القسري، وهو الرقم الموثق لأعداد المعتقلين حالياً فقط، كما أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقول بأن هذا الرقم، هو الحد الأدنى الموثق في سجلاتها، وتتوقع أن أعداد المحتجزين قسرياً هو أعلى من ذلك بكثير.
وعددٌ كبيرٌ من المحتجزين قسرياً في سورية، لقوا حتفهم داخل المعتقلات، إن كان بعمليات الإعدام خارج القانون، أو تحت التعذيب، أو التجويع، أو بسبب انتشار أوبئة داخل المعتقلات التي لا تتوفر فيها خدماتٌ طبية.
ويذكر في هذا السياق صور “القيصر” الذي كان مصوراً للشرطة العسكرية بنظام الأسد، وسرب أكثر من خمسة وخمسين ألف صورةٍ، لمعتقلين قتلوا داخل المعتقلات، وتثبت الصور أن أكثر من أحد عشر ألف معتقل قتلوا في سجون الأسد.
كما أن تقرير منظمة العفو الدولية “آمنستي” الصادر في فبراير/شباط سنة 2017، بعنوان “المسلخ البشري”، كشف عن أن ألاف المعتقلين تم قتلهم في سجن صيدنايا العسكري بريف دمشق، هذا فضلاً عن تقارير حقوقية أخرى.
والتقى مراسلو “وطن اف ام”، بعدد من السورين والسوريات، في شمال سورية ومناطق أخرى، حيث سألوهم: “ما هي الرسالة التي تودون إيصالها للأمم المتحدة، ومنظماتها الإنسانية والحقوقية، بمناسبة اليوم العاملي لضحايا الاختفاء القسري؟”.
وجاءت أغلب الرسائل التي وجهها السوريين/السوريات، كمطالب بأن تتابع الأمم المتحدة ومنظماتها لملف الجرائم في سورية، وأن تقوم بما تستطيع، بالعمل على ضرورة معرفة مصير المختفين قسرياً، وإنصاف الضحايا ومحاسبة المجرمين.
وقال المحامي السوري غزوان قرنفل وهو مدير “تجمع المحامين السوريين الأحرار”، خلال مشاركته في حلقة اليوم، إن بقاء الجرائم ضد الإنسانية في سورية بلا حساب أو مسائلة، هو نتيجة تغليب الدول الكبرى لـ “السياسي على القانوني، واستخدام روسيا وحدها حق الفيتو 12 مرة في مجلس الأمن لحماية نظام الأسد”.
وأضاف قرنفل أن “لا شيء يمنع أن تبادر مؤسسات الأمم المتحدة، أو مجلس حقوق الإنسان، وهي جزء من المنظومة القانونية الدولية، بتشكيل لجان للتحقيق ومعرفة الحقائق، ولكن ما يمنع ذلك أحياناً هي مسألة التمويل، عمل المؤسسات الدولية له نظام تمويل عالي، فمثل هكذا لجان تتطلب تمويلاً ضخماً، والدول أحياناً لا تتشجع لتشكيل مثل هكذا لجان بسبب هذه المشكلة”، مضيفاً أن هذا فضلاً عن مشكلة التفاهمات السياسية بين كبرى الدول حول الملف السوري.
وناقشت الحلقة نقاط قانونية –سياسية أخرى، حول جرائم الاختفاء القسري، والمسار الحقوقي الطويل الذي يشتغل عليه حقوقيون سوريون، لتحقيق مبدأ المحاسبة والمسائلة في سورية.
ويمكنكم الاستماع إلى التسجيل الكامل للحلقة، عبر زيارة الرابط في الأسفل.