تحولت واشنطن إلى لاس فيغاس على حين غرة، وأصبح البيت الأبيض مسرحاً كبيراً لأمهر السحرة، والعالم كله جمهور.
ما يحدث في واشنطن لا يبقى فيها أبداً، بل يؤثر في العالم أجمع. وهذا ما جعل الجميع يتسمّرون أمام “حاوي” البيت الأبيض، ينتظرون عجائبه وغرائبه.
يضع الحاوي يده في قبعته الطويلة، يُخرج أرنباً. يدخل يده مرة أخرى، فيخرج قنبلةً أو أفعى. يقول لك إنه سيمنحك حمامة سلام، فيطلق عليك نسراً. حاوي البيت الأبيض الجديد يرتجل، وهذا الارتجال يضعك أمام احتمالاتٍ مربكة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آخر المذهولين. كان خطاب ترامب تجاه روسيا مريحاً لسيد اسطنبول الذي أدار ظهره للبيت الأبيض بعد محاولة انقلاب 2016 وتوجه شطر الكرملين. كانت فكرة ترامب عن تقارب أميركي – روسي مريحةً لتركيا، ما يعني أن أنقرة دخلت في صفقةٍ رابحةٍ على أي حال. تظن تركيا أنها ستلعب، في أسوأ الأحوال، دور الوسيط بين قوتين كبيرتين، وفي أفضلها سيشكل الثلاثة حلفاً يغيّر أوضاع المنطقة. إلا أن الأحوال تغيرت، وأخرج ترامب الأفعى في وجه أردوغان بإقراره، قبل يومين، تمويل قوات سورية الديمقراطية، المليشيا الكردية التي تراها تركيا عدواً للبلاد ووحدتها، وتهديداً يفوق تهديد تنظيم داعش. .. هذا آخر المندهشين، فمن أولهم؟ إنه ترامب نفسه.
أول من اندهش بـ “القبعة السحرية” كان الحاوي. فترامب ما زال يذكّر نفسه باستمرار، إنه الرئيس. استطرد ترامب هذا الأسبوع عند حديثه عن نظام التأمين الصحي، ليقول للجميع أمام الكاميرات “جئت من عالمٍ مختلف، وأصبحت سياسياً فترة قصيرة فقط، كيف ترون ما أفعله؟ هل أقوم بعمل جيد؟ أنا الرئيس، أنا الرئيس، هل تصدّقون هذا؟”.
كرر ترامب في أثناء حملته الانتخابية، عشرات المرات، أن مهمته الرئاسية ستكون “سهلة للغاية”. فكل شيء ممكنٌ وبسيطٌ، ومن غير المعقول كيف عجز من سبقه عن حل كل هذه الأزمات، من هزيمة الإرهاب إلى إصلاح النظام الصحي، وحتى إيجاد ملايين الوظائف في البلاد.
لاحقاً، فوجئ الحاوي أن الرئاسة “أصعب مما تخيّل”. ولأن ترامب أبسط مما يبدو عليه، عبّر مباشرةً عن ضجره بالرئاسة، مضيفاً “أشتاق إلى حياتي السابقة”. كما قال، في مناسبةٍ أخرى، أنه “في حاجةٍ لمزيد من الوقت”، ليقوم بمهامه الرئاسية على أكمل وجه.
ما زال الحاوي يرمي بالأفاعي يمنة ويسرة، في وقتٍ باتت فيه قبعته تذهله أيضاً. بعد الرئاسة، اكتشف ترامب أشياء كثيرة، منها أن التقارب مع روسيا صعب، والعلاقة مع الصين معقدة، وحلف شمال الأطلسي ضرورة، والاتحاد الأوروبي حليف للولايات المتحدة لا يمكن التفريط به.
اكتشف ترامب أنه لا يستطيع، بجرّة قلم، جعل المكسيك تدفع من أجل بناء جدار حدودي، في وقتٍ لم يستطع إجبار كوريا الجنوبية على دفع ثمن الصواريخ الأميركية “ثاد” التي تحميها. لكن القبعة السحرية تصبح مخيفةً، عندما تتصرف من تلقاء نفسها، أمام حاوٍ مبتدئ. رجال ترامب مستهدفون، تساقط بعضهم، وكأن أول المتساقطين أبرزهم، مستشاره للأمن القومي مايكل فلين. الخلافات الداخلية في بيت ترامب تتصاعد، بين كبير استراتيجيي البيت الأبيض، ستيف بانون، وصهر ترامب، جاريد كوشنر. وقبضة جنرالاته على السياسة تتصاعد.
آخر أفاعي ترامب، إقالته مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، جيمس كومي، الجمهوري الذي عينه أوباما، ليلعب دوراً مريباً في كل شيء، من إيميلات هيلاري كلينتون إلى التحقيقات في التدخل الروسي بالانتخابات وعلاقات رجال ترامب بالكرملين، كرة الثلج التي تقترب من الرئيس أكثر فأكثر.
ستكون إقالة كومي، على الأرجح، “أم الأفاعي”، لا لاشتباك الرجل مع قضايا شديدة الحساسية، بل لأن الرجل يدير جهازاً أمنياً، يحمل من المفاجآت أضعاف تلك التي يحلم بها حاوي البيت الأبيض في أسوأ خيالاته.
المصدر : العربي الجديد