أن تستمر حرب إبادة يشنها نظام استبدادي ضد شعبه، طوال نصف عقد، وتكون نتيجتها التي يتابع العالم أدق تفاصيلها قتل ملايين السوريين وجرحهم واعتقالهم وتعذيبهم وذبحهم وتجويعهم وإعطابهم، وطرد ثلثيهم من وطنهم.
وأن يحدث هذا بيد رئيسٍ يزعم الروس أنه شرعي، وأن مطالبة أغلبية شعب”ه” برحيله إرهاب، وفعل جرمي يعطيه الحق في القضاء عليهم، وأن يقبل العالم هذا النوع من الإجرام، ويبقي على اعترافه القانوني بالنظام الذي يمارسه، وأن يتفرج الرأي العام العالمي بدم بارد على مأساة السوريين المرعبة ومشاهدها المروّعة، ويقف بلا حراك أمام مجازر، لا توفر طفلاً أو امرأة أو شيخاً، ولا ينجو منها بيت أو مخبز أو مشفى أو مدرسة، وأن يحرّض النظام الأسدي المواطنين بعضهم ضد بعض، ويزوّدهم بالسلاح لقتل بعضهم، ثم لا يفعل أحد شيئاً لوقف الكارثة الإنسانية المتمادية، بحجة عدم التدخل في الأزمات والحروب تارة، والافتقار إلى غطاء دولي شرعي طوراً، هو أمر يؤكد انهيار النظام الدولي أخلاقياً وسياسياً.
وحاجة العالم إلى مبادئ وقيم تختلف عن التي ينهض عليها اليوم، وتغيّرت هويتها ووظائفها بسبب الصراعات الناجمة عن تحكّم دولة واحدة بمفاصل العلاقات والمصالح الدولية، وما أصابت به أنماط الشرعية الناظمة للعلاقات الدولية من تدمير، وخضوع شعوب كثيرة لنُظُمٍ ترفض إخراج شعوبها من بؤسها، وتجبرها، بالقمع والقهر، على الرضوخ لسقف شديد الانخفاض، تحكم إغلاقه عليها بالاستبداد والفساد، بينما تدير الدول القوية مآزقها، وتتفرّج عليها، وهي تتخبّط في دمائها ومشكلاتها، فلا عجب أن عالمنا صار فريسة فوضى شاملة، وأن ذئاباً مسعورة، ينهش القوي منها الضعيف، تتحكّم به، ويفتك خلالها المستبدّون بشعوبهم، بينما يتفرّج حماة “الشرعية الدولية” عليها، وهم يتثاءبون، كأن ما تراه أعينهم لا يعنيهم، أو لا يحدث أصلاً.
أي نظام دولي هو هذا الذي تعامى تماماً عن عدوان روسيا العسكري على سورية، ودعا إيران إلى المفاوضات بشأن حل سياسي تناهضه، بوصفها الطرف الرئيس في الحرب ضد السوريين، الذي يدعو إلى حل عسكري كاسح، ويرفض قرارات “الشرعية الدولية” حول حل سياسي؟
هل هو نظام ودولي حقاً، إذا كان يضع عملية السلام بين يدي روسيا وإيران: الدولتان اللتان احتلتا سورية من دون أي قرار دولي، أو غطاء قانوني، بل ويكافئهما بدل معاقبتهما، ويتحوّل، بموقفه هذا، إلى نظامٍ ينصاع لمارقين يُخضعون بالعنف شعباً، يُنكرون حقه في تقرير مصيره بنفسه، بينما يصمت عن جرائمهم، أو يرحّب بها “أصدقاؤه”، الذين اعتبر أحدهم مجرد قبول مندوبيهم المجيء إلى فيينا دليلاً يؤكد صدق رغبتهم في السلام، وتجاهلوا أن دورهم في تعطيل الحل، وإبقاء قاتل رئيساً لشعب يطالب برحيله.
ماذا يبقى من نظام دولي يكافئ إيران التي ترفض أسسه ومرتكزاته، ويشارك جيشها في أربعة حروب ضد أربع دول عربية أعضاء في الأمم المتحدة؟ وهل يعقل أن يكون هناك حقاً نظام ودولي، إذا كانت روسيا وإيران تمارسان سياسات استعمارية صارخة، من دون أن يذكّرهما أحد بحقيقة أن الأمم المتحدة اتخذت، في سبعينيات القرن الماضي، قراراتٍ خاصة بتصفية الاستعمار؟
ليس ما يجري في سورية غير إنذار لعالمٍ ينهار نظامه لحظة مواجهته أنماطاً غير مسبوقة من المخاطر. وبدل أن يطوّر آليات ومعايير لمواجهتها، يغرق بسرعة في فوضى شاملة، ولا ناظم لها، لن توفر دولة من دوله، أو مجتمعاً من مجتمعاته. لذلك، شرعت تغطي جميع أرجائه، مع أنها ما تزال في بداياتها.
المصدر : العربي الجديد