رهيب مشهد جثث الأطفال في مجزرة خان شيخون. عيون جامدة وأفواه فاغرة وأياد كأنها تومئ متسائلة عن ذنب أو جرم لم تقترفه.
لا شيء يبرر هذا الحجم من الاجرام في سوريا. لا دولة مارقة أو عظمى أو سفلى قادرة على تحمل وزر مأساة كهذه. هذه ليست حرباً على الارهاب. إنها إرهاب حقيقي يمارس ضد أطفال ومدنيين بغطاء دولي وتحت ستار محاربة الارهاب.
لا يغير نوع السلاح حجم الجريمة. سلاح كيميائي أو تقليدي، غاز سارين أو غاز منزلي. الضحايا هي هي والمأساة هي هي، ومجتمع دولي على حاله عاجز ومتواطئ يكتفي بتعداد القتلى ونبش القبور لمزيد من الجثث.
بعد ست سنوات من الحرب ونحو نصف مليون قتيل، لم تعد جثث أطفال خان شيخون وأطفال سوريا كلها تهز العالم. ولم يعد مصير السوريين جمعياً أولوية. لواشنطن، صار القضاء على الجماعات الارهابية التي أفرزتها هذه الحرب هي الهدف الاول والاخير، لا خوفاً على سوريا وأطفالها، وإنما تطبيقاً لشعار “أميركا أولاً”، ومن بعدها الطوفان. وللأوروبيين، صار إبقاء السوريين بعيدين من شواطئهم أولى الاولويات، وهم مستعدون من أجل ذلك لتحريك قوتهم الناعمة مجدداً وتخصيص المليارات لاعادة الاعمار، حتى قبل أن تهدأ الحرب وتسكت المدافع.
وفي حسابات الروس والايرانيين، كان الحفاظ على النظام، لا حماية السوريين، الاولوية الاولى والاخيرة، فهو الحليف التقليدي للكرملين في المنطقة، وهو الضمانة الاكيدة للمطامع التوسعية للجمهورية الاسلامية وبوابتها الى “حزب الله” في لبنان.
أما النظام، فلماذا يسأل عن عشرات الاطفال الذين يقضون في قصف كيميائي هنا ، وعن عشرات آخرين يقتلون ببراميل هناك، ما دام يعتبر نفسه زعيماً لحرب يخوضها على الارهاب؟ نصف مليون قتيل لم يدفعوا الاسد الى تغيير أولويته الوحيدة بالبقاء في السلطة وهو بالتأكيد لن يغير خططه الآن بعدما بات على مشارف “النصر” المهين.
الاسبوع الماضي، تسابق المسؤولون الديبلوماسيون الأميركيون لتوجيه رسائل المهادنة الى الأسد. رئيس الديبلوماسية الاميركية ريك تيلرسون الذي لم يسمع له صوت منذ تسلمه منصبه، نطق في تركيا وضم صوته الى الروس والايرانيين قائلاً إن مصير الأسد يحدده الشعب السوري! ومندوبة واشنطن في الامم المتحدة نيكي هالي طمأنته الى أن اطاحته لم تعد أولوية، علماً أن أحداً لم يكن يعتقد عكس ذلك.
تأخر الرد السوري على رسائل المهادنة الاميركية أياماً، ولكن عندما وصل كان مدوياً وعلى حساب دماء أطفال خان شيخون… تيلرسون ليتك لم تنطق!
المصدر : النهار