لعقود، إقترن إسم رواندا بالإبادة الجماعية التي هزتها، العام 1994، في أعقاب أحداث دامية وضعت في المواجهة عرقيتي التوتسي والهوتو. لكن، وبعد أكثر من 20 عاما، تحوّل الإسم نفسه إلى قبلة للأعمال في منطقة شرق إفريقيا، وذلك في ظلّ التطوّر الذي يشهده إقتصادها، وتنامي قدرتها على المنافسة.
إستنتاجات خلص إليها أحدث التقارير السنوية لممارسة الأعمال، والذي تتصدّر من خلاله رواندا المرتبة الثالثة ضمن 3 أفضل وجهات إستثمارية في كامل أرجاء القارة الإفريقية، تسبقها جنوب أفريقيا وموريشيوس، ما يعني أنّها الأولى في منطقة شرق إفريقيا.
رواندا، هذا البلد الذي تمكّن من التعافي من مخلّفات سنوات الإبادة بفضل المساعدات الدولية، يسجّل، بشكل منتظم ودوري، نسبة نمو تناهز الـ 7 %، وذلك إعتمادا على القيمة المضافة التي تحقّقها قطاعات الزراعة والخدمات والسياحة. قطاعات توفر قرابة 70 % من مواطن الشغل في رواندا، بحسب بيانات رسمية حصلت عليها الأناضول، وهذه النسبة تؤشّر على إنتعاشة الإقتصاد في هذا البلد، وهو “ما لم يكن أبدا ثمرة الصدفة”، وفقا للوزير الرواندي المكلّف بشؤون إفريقيا فالنتان روغوابيزا.
روغوابيزا أضاف في تصريح للأناضول، إنّ “الوكالة الرواندية للتنمية تحتلّ صدارة الإصلاحات التي خاضتها رواندا لتحسين مناخ الأعمال، وهذه الإصلاحات شرعت فيها خلال السنوات الأخيرة، وقد تمكنت من تجسيدها لأنّ هذا البلد مقتنع تماما بضرورة تحسين الظروف للحصول على أعمال مزدهرة فيه”.
إصلاحات كانت بمثابة العصا السحرية التي قادت المؤشرات الإقتصادية نحو الإرتفاع، في إستجابة بدت بديهية لجملة التدابير والإجراءات التي تم إقرارها في هذا الصدد، حيث ألغيت جميع التعقيدات المتعلّقة ببعث الشركات، وأضحى بالإمكان فعل ذلك في غضون 6 ساعات فقط، إعتمادا على نظام رقمي متقدّم، إضافة إلى تخفيض معدّل الضريبة على دخل الشركات الناشطة في البلاد إلى حدود 30 %. عروض مغرية بالنسبة للمستثمرين الذين يبحثون على الدوام، على التخفيض من كلفة أنشطتهم للترفيع في إيراداتهم.
سوشير باتناغار، مستثمر هندي يقيم في رواندا منذ 2008، قال يتحدّث للأناضول عن تجربته في مجال الأعمال في هذا البلد: “شركتنا تنشط في مجال الورق، وهي موجودة في إفريقيا منذ 1995. فبعد رحلة جبت من خلالها العديد من الدول الإفريقية مثل نيجيريا وكينيا، قررت الإستقرار في رواندا، نظرا للسياسة الإستثمارية التي يتبناها هذا البلد، وهو ما يسّر أعمالي وأنشطتي”.
الناتج المحلّي الإجمالي لرواندا قدّر بـ 7 % في 2014، وهي نسبة تعكس نموا مطّردا وإستقرارا في هذا المؤشر في عام 2015، بما أنّ تقديرات وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي في رواندا، تشير إلى أنّ نسبة النمو المتوقعة ستبلغ 6.5 % (كحدّ أدنى). تقديرات تتوافق مع ما خلص إليه صندوق النقد الدولي، والذي أكّد من خلال وفد زار كيغالي، أوائل أبريل/ نيسان الجاري، أنّ هذا البلد المستورد للنفط سيستفيد من إنخفاض أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية.
مفوضية المؤسسة المالية العالمية توقعت، تماما مثل الحكومة الرواندية، معدّل تضخّم في حدود الـ 3.5 %. أرقام قال المختص الإقتصادي، تيدي كابيروكا، إنه لا يمكن الحفاظ على هذه المعدّلات إلا عبر رفع بعض التحدّيات.
“لا يسعنا إدّعاء أنّنا نمتلك طفرة صناعية في حال كانت كلفة الكهرباء باهضة على سبيل المثال”، يضيف أستاذ الإقتصاد في جامعة كيغالي، في تصريح للأناضول، “أعتقد أنّ السلطة العامة ينبغي أن تستثمر بشكل متزايد في قطاع الكهرباء، لأنّ هذا ما سيقود نحو إستقطاب أكبر عدد من المستثمرين، بما أنّ أوّل ما يقوم به هؤلاء قبل الإستثمار في أي بلد هو إحتساب كلفة الإنتاج، والكهرباء تعدّ من المتغيّرات الأساسية في هذه المعادلة”.
في شهر مارس/آذار الماضي، رفعت وكالة التصنيف ستاندرد اند بورز التصنيف السيادي لرواندا إلى (ب+). وقبل ذلك ببضعة أشهر، قامت فيتش بنفس الخطوة، مفسّرة ذلك بـ “تعبئة التمويل الخارجي”، و “وجود أدفاق مالية مستقرة من مختلف الجهات المانحة”، إضافة إلى “قدرة الحكومة على الوصول إلى أسواق المال”، وفقا لبيان صادر عن مؤسسة ستاندرد اند بورز.
وإلى جانب ما تقدّم، أشار البيان نفسه، إلى أنّ الإستقرار السياسي الواضح، ساهم في ظهور مناخ يشجّع على الأعمال. فمنذ 15 عاما، يقود نظام بول كاغامي البلاد، والأخير تعهّد، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعدم الترشح لإنتخابات 2017 الرئاسية. وعد جنّب البلاد الإنزلاق إلى متاهات الإحتجاجات والإنقسامات، في سيناريوهات شبيهة بتلك التي تعيش على وقعها دول الجوار مثل بوروندي والكونغو الديمقراطية.
وكالة الاناضول