على مدى ست سنوات، ظلت آمنة الخولاني متشبثة بالأمل في أن يكون شقيقاها مجد وعبد الستار على قيد الحياة، برغم انقطاع الأخبار عنهما في سجن نظام الأسد، بعد اعتقالهما في أوائل الحرب بسوريا.
غير أنها علمت في الأسبوع الماضي، من سجلات رسمية نشرت حديثا وحصل عليها أقارب، أن الرجلين توفيا في عام 2013، أي بعد أسابيع فقط من آخر مرة رأتهما الأسرة من خلال سور حديدي أثناء زيارة إلى سجن صيدنايا العسكري قرب دمشق.
وقالت آمنة، وهي الآن لاجئة في بريطانيا، في اتصال بالفيديو: “كل الوسايط كانت تجيب لنا إنه تمّ إعدامهم. هذا الحكي من زمان يوصلنا بس نحن ما نتقبله مليون بالمئة. نعرف إن النظام مجرم، وإنه ممكن يعملا، بس دائما يضل عندك أمل إن هذا كلام إشاعة أو مو صحيح”.
وبعد سنوات من صمت نظام الأسد بشأن مصير عشرات الآلاف من الأشخاص الذين تقول منظمات حقوقية إنهم اختفوا قسريا خلال الحرب، قال سوريون علموا في الآونة الأخيرة بمصير ذويهم إن السلطات بدأت تحديث السجلات لتعترف بوفاة المئات.
وقالت منظمات حقوقية وسوريون إن الأسر بدأت في أبريل/ نيسان تقريبا تكتشف بمحض الصدفة ما حدث لأحبائهم، عندما طلبت سجلات من مكاتب السجل المدني.
ومثل تلك السجلات مطلوبة لكثير من الأعمال الإدارية في سوريا، ولذلك كثيرا ما يسعى السوريون لاستخراجها. وفي هذه المرة فقط لم تكن المعلومات ما يتوقعونه، وإنما ما كانوا يخشونه طويلا.
وانتشرت الأنباء عن أن قوات الأسد بدأت تعترف بالوفيات، وأقبل المزيد من الناس على مكاتب التسجيل للحصول على معلومات.
وكانت حكومة الأسد قد نفت العام الماضي تقريرا لمنظمة العفو الدولية يقول إنها نفذت حملة إعدام جماعي في سجن صيدنايا. ووصفت الحكومة التقرير بأنه لا يمت بصلة إلى الحقيقة.
وسجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي توثق مجريات الحرب من خارج سوريا، 532 حالة اختفاء قسري لأشخاص أُدرجت أسماؤهم ضمن المتوفين في السجلات الرسمية في الأشهر الأخيرة، دون إبلاغ ذويهم مسبقا بوفاتهم.
وقال رئيس الشبكة، فاضل عبد الغني، إن بيانات الوفاة إشارة من الأسد إلى سوريا بأنه انتصر.
وقدر أنور البني محامي حقوق الإنسان في المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية، الذي مقره برلين، وهو نفسه كان معتقلا سابقا ويعيش حاليا خارج سوريا، عدد المختفين بأنه أكبر من ذلك بكثير.
ووثق البني حتى الآن ثلاثة آلاف اسم، بناء على مصادر من داخل سوريا، ووصف ذلك بأنه قمة جبل الجليد.
وقالت فدوى محمود، وهي لاجئة في ألمانيا تبلغ من العمر 63 عاما، وقامت بإنشاء جماعة (عائلات من أجل الحرية) التي تقوم بحملات بالإنابة عن السوريين المختفين والمعتقلين: “العالم اللي عم تنزل على قيد النفوس (السجل المدني) أنو شي مريع اللي عم بيصير إنه أم ولا أخت عم تنزل تشوف إنه تطمئن إذا ابنها موجود بهاي القوائم أو لا.. اللي بتعرف بيوقعوا بالأرض بيغموا ..”.
وتنتظر فدوى نفسها معرفة مصير زوجها وابنها المعتقلين في 2012.
وكثير من بيانات الوفاة في السجلات التي تم تحديثها لنشطاء اعتقلوا في بدايات الثورة السورية في 2011 و2012.
وجاء كثيرون من هؤلاء من مدينة داريا قرب دمشق، التي كانت أحد المراكز الأولى في الثورة السورية، وحيث هجرت قوات الأسد أهلها وثوارها في 2016، بعد حصار استمر سنوات.
وقالت آمنة إن الوثيقة لا تذكر بالطبع أنهم ماتوا في السجن.
وأضافت: “وصلنا بإخراج القيد أو بيان الوفاة تاريخ الوفاة بالساعة وباليوم طبعا التاريخ واحد… معظم شباب داريا اللي كان واصل لأهلهم خبر استشهادهم هلق تأكد لأنه معظمهم استشهدوا الساعة العاشرة مساء في 15 يناير 2013… ما بينكتب سبب وفاة”.
وقالت إن أشقاءها “شاركوا بالحراك السلمي المظاهرات… شاركوا بتوزيع الورود والمياه للعساكر والجنود… كان مطلبهم الحرية، الكرامة ودولة مواطنة”.
وقالت آمنة إن المحتج إسلام الدباس صديق عبد الستار توفي أيضا في ذلك اليوم. وتوفي في اليوم ذاته أيضا يحيى الشوربجي، الناشط المعروف في داريا، حسبما قالت أسرته التي تعيش خارج سوريا حاليا لرويترز.
ودفع عدد من تم تسجيل وفاتهم في اليوم ذاته من سكان داريا ذويهم إلى استنتاج أنه تم إعدامهم معا.
وقال ساكن من المعضمية، وهي واحدة من البؤر الأولى للانتفاضة، إن 96 شخصا أدرجوا في الآونة الأخيرة في قائمة مكتب السجلات المحلي للوفيات. ولكن ليس من بينهم نجله المفقود منذ كانون الثاني/ يناير 2013.
وقال الساكن: “قلبي يقول وأمنياتي أن يكون حيا انشالله، ولكن العقل المجرد من أي أهواء يقول إنه تم تصفيته مع الكثير من الناس؛ لأنه كان ناشط سلمي مدني وإغاثي، وأتمنى ألا يكون قد تمت تصفيته، ولكن إذا كان هذا الأمر قد تم أقول لا حول ولا قوة إلا بالله” .
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إنها وثقت ما لا يقل عن 85036 حالة اختفاء قسري في أنحاء سوريا منذ بدء الحرب.
وأضافت أن من المعتقد أن أجهزة الأمن في نظام الأسد خطفت نحو 90 في المئة منهم، والباقي خطفتهم فصائل تعمل في الحرب في سوريا، والتي يشارك فيها أكثر من طرف .
وتسارعت وتيرة الانتصارات التي تحققها قوات الأسد هذا العام بدعم من روسيا وإيران، وأصبحت فصائل الثوار لا تمثل حاليا أي تهديد عسكري لحكمه.
وتحث روسيا حليفة الأسد اللاجئين على العودة إلى ديارهم، قائلة إنه ليس هناك ما يجعلهم يخشون النظام !!
لكن الناس تواصل الفرار من المناطق التي تعود إلى سيطرة حكومة الأسد، ويقول نازحون كثيرون إنهم يخافون من العودة خشية الاعتقال أو التجنيد أو ما هو أسوأ من ذلك.
وضغط مسؤولون بالمعارضة بالسورية وتركيا التي تدعمهم من أجل بحث قضية المعتقلين والمختفين قسريا في محادثات السلام، التي لم تحرز أي تقدم.
وقالت أم مجد وعبد الستار الخولاني: “بطالب ياخدولي حقي، حرموني أولادي ومهجة عيني، أنا بقول إن شاء الله ما بموت لشوف حقنا طلع من بشار وأعوانه مو حقي أنا، حق كل هالسوريين، لأجل هجرونا وأخدولنا أموالنا وأخدولنا ولادنا”.
وطن اف ام / رويترز