قدم نظام الجامعات البريطانية، الأسبوع الماضي، عددا قياسيا من فرص الدراسة رغم الاستفتاء الذي أقر بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي.
لكن المحلل الاقتصادي تيم هارفورد قال “هذا يبدو كأنه خبر سار، لكن هل نحن بحاجة فعلا إلى ذهاب المزيد من الناس إلى الجامعات؟ وطالما أننا في هذا الموضوع، هل يحتاج العالم إلى المزيد من الجامعات؟”.
وأضاف في مقال نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن “الجواب ينبغي أن يكون بنعم. التعليم جيد، أليس كذلك؟ لكن كل شيء له ثمن. التعليم يستغرق الوقت. يُمكننا أن نُصرّ على أن يدرس الجميع بدوام كامل حتى سن الـ45، لكن هذا بالتأكيد سيكون مطلبا مرهقا للغاية”.
وإذا كان تمديد فترة الدراسة مطلبا فوق الحد، فإن نصف السكان في بريطانيا الذين يدرسون حتى سن الـ21 عاما، ربما هو أيضا مطلب يفوق الحد.ويقول كثيرون إن الجامعات تستنفد الموارد المالية والفكرية، وإنه ربما يكون من الأفضل إنفاق تلك الموارد في قطاعات أخرى.
لكن هارفورد يصر على أن “تحيّزي الشخصي هو بقوة لصالح الذهاب إلى الجامعة، إضافة إلى أن تكون هناك جامعات. بما أن المهارة الرئيسية التي تعلّمتها في الجامعة كانت الكتابة عن الاقتصاد، وبما أنني أستخدم هذه المهارة في كل يوم من حياتي المهنية، فحتى التعليم المُجرّد يبدو عمليا بالنسبة إليّ”.
وعلى بعد نحو 60 كيلومترا غرب مدينة لندن تقع مدينة أوكسفورد التي تضم واحدة من أشهر الجامعات في العالم. وتشير تجربة أكسفورد إلى أن الجامعات لديها الكثير لتقدّمه، إذ تم تشكيل العمارة والمساحات الخضراء في المدينة بسبب المؤسسة القديمة الموجودة منذ 900 عام في قلبها.
لكن هارفورد يقول إن أوكسفورد “مجرد عينة واحدة”. وأضاف أن “الكثيرين من الناس لا يجدون أنفسهم يستخدمون المهارات والمعرفة التي حصلوا عليها في الجامعة. مدينة أكسفورد لا تُمثّل بشكل ممتاز الجامعات العالمية ككل.
فجامعة نيويورك مؤسسة جيدة، لكن وفقا لموقع ‘تريب أدفايزر’، تحتل المرتبة 263 في مدينة نيويورك من بين الأماكن الأكثر إثارة للاهتمام في المدينة، بينما أن تسعة من أبرز معالم الجذب في أكسفورد تتعلق بالجامعة”. ومؤخرا أجرى آنا فاليرو وجون فان رينين، من كلية لندن للاقتصاد، بحثا يأخذ نظرة إحصائية على الجامعات في مختلف أنحاء العالم، ويطرح سؤالا حول ما إذا كانت ستُعزز من اقتصاداتها الإقليمية في بريطانيا.
وتوصل الباحثان إلى أن الجامعات تُنتج شبابا مؤهلين تأهيلا جيدا، والكثير منهم يبقى في المنطقة بعد التخرّج. وغالبا ما تُنتج الجامعات ابتكارات مفيدة. وبعض الابتكارات بلا حدود جغرافية، لكن الكثير من أفكار الأبحاث تبقى محلية، على الأقل لبعض الوقت، إذ أن وادي السيليكون على سبيل المثال نما حول جامعة ستانفورد ولم ينتقل إلى مكان آخر.
كما توجه الجامعات أموال الحكومة المركزية من خلال رواتب الموظفين وقروض الطلاب، وغيرها من مصادر الإنفاق المحلي.
ووجد فاليرو وفان رينين أن الجامعات تُعزّز على ما يبدو دخل المناطق التي تكون فيها. وقال الباحثان “إذا ضاعفنا عدد الجامعات في أي منطقة -مثلا من 5 إلى 10- عندها يُمكن أن نتوقّع أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 4 بالمئة. وإذا ضاعفنا عدد الجامعات مرة أخرى، فهذه نسبة أخرى تبلغ 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للفرد، والمناطق المجاورة تستفيد أيضا، وهذا ليس تأثيرا تافها”.
ويثق الباحثان إلى حد ما في أن السببية لا تجري في الاتجاه الآخر، ليس ببساطة أن المناطق تبني الجامعات لأنها تتوقع النمو في المستقبل، لكن لا يُمكن أن تكون متأكدة من أنه ليس هناك عامل ثالث له دور في ذلك: ربما، مثلا، حكومات إقليمية قوية وقادرة تُنتج الازدهار والجامعات على حد سواء.
لكن أستاذ الاقتصاد بريان كابلان، مؤلف كتاب سيصدر قريبا بعنوان “الحجة ضد التعليم”، يشكك كثيرا في هذه الفكرة. ويُشير كابلان إلى أنه يبدو أن الكثير من الطلاب لا يتعلّمون أي شيء ذي صلة واضحة بمكان العمل، لكن عند التخرّج يتم منحهم فرص عمل أفضل بكثير من غير الخرّيجين. لماذا؟ يجيب كابلان بأن التعليم ينطوي على إشارة. إذا لم يملك أصحاب العمل وسيلة لمعرفة من هو الذكي والمُجتهد، فإن أي طالب يستطيع أن يثبت أنه يناسب تلك الفئة من خلال التفوّق في، مثلا، اللغة اللاتينية.
ويقول كابلان “درجة البكالوريوس ليست لها قيمة بالنسبة إلى المجتمع. فهي تُمكّن أصحاب العمل من دفع أجور أعلى للعاملين الأذكى، لكن مع أجور أقل للآخرين ومن أجل التمتع بهذه الأجور الأعلى، يجب على الناس الأذكياء إضاعة الوقت والمال في عناء الحصول على شهادة جامعية. الجميع قد يكون أفضل حالا لو تم التخلّي عن هذا الأمر كليا”.
ويقول هارفورد “من المُحق؟ أنا أميل إلى رأي فاليرو وفان رينين. لكن كابلان يُثير اعتراضا مهما. بشكل جماعي، لقد سمحنا لواضعي الامتحانات في الجامعات ومسؤولي القبول بأن يصبحوا الحرّاس على حياة مهنية ناجحة. هل هذا أمر حكيم فعلا؟”.
المصدر : العرب