روزانا بومنصف – الإرباك الدولي من مجزرة إدلب لا يبدل شيئاً!

استبقت موسكو الجلسة الطارئة لمجلس الامن للبحث في الاعتداء بالسلاح الكيميائي في سوريا والتي اتهمت دول غربية النظام السوري بالقيام به باعلان الكرملين ان روسيا ستواصل عملياتها العسكرية دعما للرئيس السوري بشار الاسد، على رغم الهجوم على ادلب، مما يعني امرين في رأي مراقبين ديبلوماسيين: الاول ان روسيا ستستمر بحماية النظام في مجلس الامن كما فعلت في كل المحطات السابقة من استخدامها الفيتو سبع مرات دفاعا عن النظام. والامر الثاني أن الوسيلة الافضل للدفاع لدى روسيا هي الهجوم، حتى لو كان العذر الذي قدمته او تبنته لتبرير القصف الذي قام به النظام واستهدافه مستودعا للاسلحة الكيميائية في مناطق المعارضة هو في الواقع عذر أقبح من ذنب.

والواقع أن افتراض صحة هذه الذريعة لا يبرر استهداف المنطقة للتسبب بقتلى مدنيين بهذا الحجم، خصوصا أن الحروب تلحظ استثناءات ومنع قصف أماكن قد يتبين أنها ستسبب سقوط مدنيين وليس محاربين، فكيف الحال مع استخدام اسلحة محظرة دوليا، في الوقت الذي لم تتحمل ايران التزام الصمت لكونها عانت هجوما مماثلا أيام صدام حسين ووظفته طويلا سياسيا وديبلوماسيا، فدانت الاعتداء مبرئة نفسها في الوقت نفسه من تبعاته. لكن هذا لا ينفي واقع الارباك الذي مني به الجميع من حلفاء الرئيس السوري، أي روسيا وايران وخصومه ايضا، وفي مقدمهم الادارة الاميركية الجديدة بادارة دونالد ترامب.

فالبيت الابيض دان الهجوم ووصفه بأنه “مشين ولا يمكن العالم المتحضر ان يتجاهله”. وقال الناطق باسم البيت الابيض ان “ترامب قلق جدا من هذا العمل الذي لا يمكن تحمله”. وإذ حمل ترامب مسؤولية تصرفات نظام الاسد الى ضعف إدارة سلفه وعجزها عن اتخاذ قرار في شأن سوريا، فإن كل هذه التعابير تحفز جملة تساؤلات اذا كانت ادارة ترامب ستستمر في التسليم بموقفها من الازمة السورية ومن التساهل ازاء بقاء بشار الاسد في حال كان لا يمكن العالم المتحضر ان يتحمل قصف الشعب السوري بالكيميائي. فمع أن وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون حمل المسؤولية المعنية لكل من حليفي الاسد، أي روسيا وايران، فإن هذا لا يغني عن حتمية اضطرار الادارة الاميركية الى مقاربة الحرب السورية بغير ما اعتمدته حتى الآن تحت وطأة تحمل واشنطن مسؤولية اتاحة المجال امام النظام السوري وتغطية ما يقوم به تحت عنوان ان المسؤولية هي مسؤولية روسيا او ان الاولوية الاميركية ليست البحث في مصير الاسد.

فالانتقاد الذي ساقه ترامب لسلفه في شأن الصمت على أعمال النظام وبسبب ضعف الادارة السابقة وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات كما وصفها، سرعان ما سيجد نفسه في خضمه مع مقاربة مماثلة لاسلوب اوباما. وفيما عانى الاخير انتقادات لضعف ادائه السوري في ولايته الثانية، فإن ترامب في بدء ولايته وسيثقل عليه تحمل وزر السكوت عن انتقادات تبدأ بملاحقته من الان في الشأن السوري.

من المرجح في المقابل ان يعطي هذا التطور الدرامي قوة للمنطق الاوروبي في مواجهة واشنطن في الدرجة الاولى لجهة الموقف المتساهل للادارة الاميركية ازاء الرئيس السوري واحتمال بقائه.

اذ ان القصف بالكيميائي انما يحصل للمرة الاولى مع مسؤولين جدد اكان في الولايات المتحدة أم على رأس منظمة الامم المتحدة، حيث كان متعذرا على المسؤولين السابقين التعامل مع رأس للنظام بعدما اتهم اكثر من مرة على ألسنة المسؤولين الدوليين بارتكابه جرائم حرب او بمسؤوليته عن ارتكابها. في حين ان اعادة تكرار العبارة على ألسنة المسؤولين الجدد انما يحشر الجميع في الزاوية ازاء القدرة على ابداء اللامبالاة حيال اتهامات من هذا النوع والتغاضي عنها. ومعلوم انه تم التغاضي سابقا عن الموضوع وتمييعه عبر لجان تحقيق تحدثت عن مسؤولية النظام، لكن المجموعة الدولية عجزت عن فرض عقوبات بسبب الفيتو الروسي، مما يعني عدم استبعاد التغاضي عنه مجددا.

ولذلك ابعد من موقف تنديدي من مجلس الامن قد ينقذ ماء وجه الجميع، ثمة ضغط على ترامب من جانب حلفائه الاوروبيين الذين لم يبلعوا اصلا الموقف الاميركي المتساهل ازاء اهمال الانتقال السياسي في سوريا، وطالبوا واشنطن بتوضيحات حول موقفها علما ان التأثير الاوروبي قد لا يكون كبيرا، وثمة ضغط من الداخل الاميركي ايضا. والسؤال هو: هل يمكن ان يتجاهل الرئيس الاميركي التطور المأسوي الذي قال هو بنفسه انه لا يمكن تجاهله ويواصل تنفيذ ارادته في العمل مع روسيا من اجل اطاحة تنظيم “الدولة الاسلامية” فحسب والصمت على اعمال النظام؟

يقول المراقبون الديبلوماسيون ان القصف بالكيميائي الذي تجدد في سوريا يطرح تحديا لجهة إخلال النظام بالتزام تسليمه كل مخزونه وفق ما كانت اتفقت الولايات المتحدة وروسيا سابقا كما لجهة احتمال تمرير ما حصل من دون موقف حازم ان لم يكن ازاء النظام نظرا الى استمرار حمايته من روسيا كما اعلنت انما في اتجاه اعادة موضوع الانتقال السياسي الى طاولة البحث مجددا بدلا من التغاضي عنه.

والحرج لا يطاول الولايات المتحدة بل جميع الدول التي تجري مقارنة افضلية بين النظام وتنظيم الدولة الاسلامية بمحاولة تسويق استمرار النظام على رغم ان المقارنة سترجح مجددا النظام ما يشجعه على الاستمرار في اعماله من دون معاقبة. لكن الخشية ان البحث عن المصالح المباشرة وفق ما ترتسم تجعل من السهل تجاوز مثل هذا التطور الدرامي وعدم تغيير الروزنامة الاولية التي بدأت تسير عليها ادارة ترامب فتبقى الامور على ما هي عليه باستثناء بعض المواقف العلنية من دون الجوهر.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى