في العمق

سيناريوهات ما بعد الغوطة: ماذا تبقى من الحل السياسي؟

بحثت هذه الحلقة من برنامج “في العمق”، أفق الحل السياسي في سورية، في الوقت الذي يمضي النظام وحلفاؤه، بالعمليات العسكرية، التي تتآكل معها مناطق سيطرة المعارضة السورية، واحدة بعد أخرى، وآخرها الغوطة الشرقية، والقلمون الشرقي بريف دمشق.

إذ لطالما شكلت مناطق سيطرة المعارضة بمحيط دمشق، وباقي مناطق ريف العاصمة كالقلمون الشرقي وقبله الغربي، نقطة ضعفٍ للنظام وحلفائه (روسيا-ايران)، في جولات التفاوض بمدينة جنيف السويسرية، لكن المعارضة السورية، فقدت هذه المناطق مؤخراً، بعد عملية عسكرية ضخمة للنظام بقيادة روسية في الغوطة الشرقية، بدأت في الثامن عشر من شباط/فبراير الماضي، وأفضت بعد أسابيع قليلة قُتل فيها أكثر من 1600 مدني، لإخراج آخر مقاتلي الفصائل من الغوطة، وعشرات ألاف المدنيين، لمناطق شمالي سورية.

ورغم إصدار مجلس الأمن الدولي، للقرار 2401، في الرابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، والذي طالب ببدء وقف إطلاق نار لمدة شهر في سورية، بدأت قوات الأسد بقيادةٍ روسية في اليوم التالي لصدور هذه القرار، عمليات الزحف البري في الغوطة الشرقية، التي قضمت فيها القوات المهاجمة سريعاً، مناطق واسعة من جبهات شرقي الغوطة وصولاً لبلدتي مديرا ومسرابا، الأمر الذي قطع أوصال الغوطة، وفَصلها لثلاثِ مناطق محاصرة، لا تواصل بري بينها، هي دوما ومحيطها شمالاً، وحرستا غرباً، والقطاع الأوسط جنوباً.

وبدأت بعد ذلك مباشرة، معارك القطاع الجنوبي الأوسط للغوطة، التي انتهت بالسيطرة عليه كاملاً، وتوقيع الروس لاتفاقية مع “فيلق الرحمن”، خرج بموجبها الأخير مع آلاف المدنيين، إلى مناطق شمال غربي سورية.

ومع اختلاف التفاصيل، في دوما شمالي الغوطة، إلا أنها بالمحصلة، وصلت لمصيرٍ مماثل، وخرج منها “جيش الإسلام”، بعد توقيع اتفاقٍ مع الروس، صباح الثامن من نيسان/أبريل، أي في صبيحة اليوم التالي للهجوم بالغازات السامة، الذي قتل عشرات المدنيين وأصاب المئات بحالات اختناق في دوما، ودفع الولايات المتحدة مع فرنسا وبريطانيا، لضرب مواقع عسكرية لنظام الأسد.

وناقشت حلقة اليوم من برنامج “في العمق”، مآلات الحل السياسي، على ضوء هذه التطورات، و مع استمرار عمليات النظام العسكرية، وتآكل قوى المعارضة السورية، حيث تمحور النقاش مع ضيفي الحلقة المحلل العسكري، العقيد فايز الأسمر، والأمين العام الأسبق للإئتلاف الوطني السوري محمد يحيى مكتبي، حول نقطتين أساسيتين: ماذا تبقى للمعارضة من أوراقٍ تفاوضية؟. وماذا بقي من الحل السياسي على ضوء التطورات الحاصلة؟

و أجرى برنامج “في العمق” استطلاعاً للرأي، عبّر فيه معظم السوريين الذين شاركوا فيه، عن اعتقادهم بأن الحل السياسي هو مجرد ملئ فراغ، ولا وجود له فعلياً، بينما اعتبر آخرون شاركوا بالاستطلاع أن “الثورة مستمرة، وهي ليست في السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، بقدر ما هي راسخة في نفوس ملايين السوريين”.

واتفق مع هذا الرأي الأخير، الأمين العام الأسبق للإئتلاف الوطني محمد يحيى مكتبي، والذي قال لـ”وطن اف ام” إن “المعركة طويلة” مع النظام، معتبراً أن “التراجعات الميدانية، لا تعني أن يكون هناك تنازلات من قبل المعارضة كما يريد الروس”.

وحول مآلات الحل السياسي، أشار مكتبي في حديثه إلى أن “الغالبية العظمى من السوريين لن يقبلوا بحل سياسي مُشوّه”، وإن كان أكد على أن المرحلة الحالية حرجة بالنسبة للمعارضة.

وتحدث مكتبي لـ”وطن اف ام” عن أوراق المعارضة التفاوضية بعد التطورات الميدانية الأخيرة، معتبراً أن موضوع الحل السياسي “مُعقد وبحاجة لبعض الوقت حتى تتبلور صورته، لكن بغض النظر عن الوقائع الأن على الارض، فإن هذا النظام لا يفهم الا لغة القوة. وإذا كان هناك ارادة لوضع حد لشلال الدم في سورية وتم جر نظام الاسد الى طاولة المفاوضات، فستكون هناك مفاوضات حقيقية. لكن حتى الان لا توجد هذه الارادة الدولية”، خاتماً حديثه بأن “من حق الشعب السوري أن يحيى حياة كريمة في دولةٍ تحترم جميع مواطنيها”.
من جانبه عبر المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر عن خشيته من أن عمليات النظام العسكرية ستتواصل في المرحلة المقبلة، في مناطق المعارضة السورية، قائلاً إنه “ليس من الغريب على النظام والروس وحسب أولوياتهم” أن ينتقلوا إلى فتح معارك جديدة في مناطق جديدة للمعارضة و”بالتتابع”، مضيفاً أنه “تم إغلاق ملف الغوطة، والآن بدأ النظام والروس بالأفضلية لتأمين محيط مدينة دمشق، إن كان بقتال أو غير قتال” كببيلا ويلدا وبيت سحم وغيرها، وباقي مناطق القلمون الشرقي ريف دمشق.

واعتبر العقيد السابق في قوات النظام خلال حديثه لـ”وطن اف ام” أنه ليس من المستبعد أن ينتقل النظام والروس في المرحلة المقبلة، إلى مناطق ريفي حمص الشمالي وحماه الجنوبي، مضيفاً أن المعارضة السورية خسرت كثيراً عبر مخرجات اتفاقيات “آستانة”، وأن عوامل عديدة، لعبت دوراً في صمود اتفاقيات “خفض التصعيد” في إدلب ومنطقة درعا فقط، دون غيرهما، بسبب نقاط المراقبة التي اقامها الجيش التركي في إدلب، ولخصوصية محافظة درعا كونها حدودية مع اسرائيل والأردن.

وختم المحلل العسكري حديثه، بالقول أن “الثورة عندما قامت ضد نظام بشار الأسد لم تكن مسألة جغرافية(…) عندما بدأت الثورة بدأت ضد نظام طائفي، استخدم سورية كمزرعة له ولعائلته”، و”نظام بشار الأسد لن يستطيع مستقبلاً أن يسيطر على سورية وأن يعيد بناء دولته المخابراتية التي تقطعت أوصالها، وروسيا تعلم هذا الأمر ولذلك تريد أن يرضى الشعب السوري (عن النظام) بالمصالحات هنا وهناك، لكن حتى إن هدأت الأمور فإن النار تحت الرماد”.

وطن اف ام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى